لا يزال سكان ميكيليه يتذكرون ضحايا
المجاعة التي ضربت إثيوبيا بين عامي 1984 و1985.. فبعد 30 عاما، لا تزال عاصمة منطقة
تيغراي في شمال إثيوبيا حيث تنتشر الفنادق الفاخرة تحمل علامات تلك الآفة.
وكان تيكي هاوس (73 عاما) هنا وقت المجاعة التي أودت بحياة ما بين 400 ألف ومليون شخص، بحسب الإحصاءات المختلفة. وقال: "كانت البلدية تنتشل الجثث وتكدسها في السيارات لدفنها"، فيما كانت الضباع تتولى الباقي.
وتزخر اليوم سوق المدينة بالسلع والخضار والفواكة والمواشي.
ولا يزال سوء التغذية منتشرا في المنطقة، لكن "الأمور تغيرت كثيرا"، على حد قول الرجل العجوز الذي أكد "أننا نملك ما يكفي حاجتنا ولم نعد نموت من الجوع".
وفي منتصف الثمانينيات، ضربت مجاعة البلاد إثر موجة
جفاف شديد تزامنت مع مساعي النظام الديكتاتوري الماركسي لتجويع المتمردين في الشمال الذين باتوا اليوم في الحكم.
وقد أثارت صور الأطفال الجياع تضامنا دوليا بلغ ذروته في 13 حزيران/ يونيو 1985 مع حفل "لايف إيد" الموسيقي الذي نظم بشكل متزامن في عدة مدن كبيرة بمبادرة من المغني الإيرلندي بوب غيلدوف.
ولنسيان هذه الصور، قام أبا هاوي رئيس بلدية أبراها أتسبيها الواقعة على بعد 60 كيلومترا من ميكيليه بجمع المسؤولين، في إطار مشروع نظام ري ضخم يشمل حوالي 50 خزانا تحتبس فيها مياه موسم المتساقطات الذي بات أكثر تأخرا وأقل انتظاما.
ومن شأن المياه المجمعة أن تسمح بري الأراضي خلال موسم الجفاف.
وقال رئيس البلدية: "بفضل هذا المشروع، نضمن أمننا الغذائي. فهؤلاء الذين كانوا يأكلون مرة واحدة في اليوم، باتوا اليوم يحظون بثلاث وجبات يومية".
وقد جاءت النتيجة مذهلة. فبفضل الري، سجل الإنتاج الزراعي في القرية زيادة بواقع أربعة أضعاف. كما أن المزارعين بات لديهم ثلاثة مواسم حصاد سنويا بدل الواحد. وعاد مشهد المزروعات ليطغى على منظر الرمل والصخور.
وأضاف أبا هاوي بفخر: "كل هذا الخضار لم يكن موجودا. الأرض كانت جافة وجرداء. كان الجميع يسعون للمغادرة، لقد بنينا اقتصادا قادرا على مقاومة المجاعة. حتى مع هطول الأمطار لأربع أو خمس مرات، يمكننا جمع ما يكفي من المياه ولن نعرف المجاعة بعد اليوم".
ويبدي هذا الرجل الستيني صاحب الحيوية المعدية والتصميم الثابت سعادته العارمة بهذا التحول التاريخي.
وقبل بضع سنوات، كانت أبراها أتسبيها معروفة بفقرها واعتمادها على المساعدات الغذائية وفق أبا هاوي. أما اليوم فباتت القرية تعيش اكتفاء ذاتيا كاملا.
وتحل البيوت الحجرية تدريجا مكان المساكن المصنوعة من الطين والخشب. المركبة الوحيدة الموجودة في المكان خلال هذا اليوم تعود لمنظمة خيرية وتنقل مجموعة من المزارعين من منطقة أمهارا المجاورة لمعاينة النجاح الحاصل في القرية.
ويدل أبا هاوي هؤلاء إلى البستان الغني الذي أنبته في حديقة منزله ويضم أشجارا متنوعة تنمو عليها ثمار مختلفة بينها المانغو والأفوكادو والقهوة والليمون.. وهي زراعات كانت مجهولة سابقا في هذه الأراضي القاحلة.
وتسعى منطقة تيغراي لتكون نموذجا للتحول الزراعي في إثيوبيا.
وأشار رئيس مديرية
الزراعة في المنطقة كيروس بيتو إلى أن "بضع مئات الهكتارات من الأراضي فقط كانت مروية في المنطقة. اليوم لدينا 275 ألف هكتار تتمتع بالكامل بالري".
وحددت الحكومة الإثيوبية هدفا لها بالخروج من الفقر والانضمام بحلول العام 2025 إلى مجموعة البلدان ذي الدخل المتوسط (ما يوازي دخلا قوميا صافيا قدره 1045 دولارا للفرد سنويا).
وتضم هذه المجموعة كينيا والسنغال وأيضا الكاميرون. وطورت إثيوبيا نظام إنذار يسمح بكشف المناطق التي يمكن أن تنشأ فيها حالة انعدام للأمن الغذائي. وتحرص السلطات أيضا على الحفاظ على احتياطي كبير من الحبوب (400 ألف طن حتى اليوم).