نشرت صحيفة لوتون السويسرية تقريرا حول المذبحة التي هزت منطقة
سربرنيتشا ذات الأغلبية المسلمة في
البوسنة، وذلك بمناسبة مرور عشرين عاما على وقوع المجزرة التي أودت بحياة أكثر من ثمانية آلاف مسلم، تناولت فيه الأدلة التي تم الكشف عنها، حول تواطؤ القوات الغربية مع
الصرب، وسماحها بارتكاب جرائم إبادة بحق
المسلمين.
وأوردت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن معلومات جديدة ظهرت مؤخرا لتكشف عن حقيقة ما جرى في سربرنيتشا، حيث إنه تم التضحية بسكان المنطقة من أجل فض الصراع الدائر، وتحت ذريعة "إحلال السلام"، حيث إن الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، ورئيس الوزراء البريطاني حينها جون ماجور، كانا على علم بما سيحدث لكنهما فضلا عدم التدخل، حسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة إن الأمر استغرق عشرين سنة لإثبات هذه الحقيقة الصادمة، وكشف الأسباب التي أدت إلى ذبح أكثر من ثمانية آلاف بوسني مسلم تتراوح أعمارهم بين الأربعة عشر سنة والخمسين سنة، حيث أقرت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بمسؤولية الغرب في وقوع هذه المأساة الإنسانية.
وأضافت أن هذه القوى الثلاث الرئيسية، كانت على دراية كاملة بوقائع هذه المجزرة، وكانت العملية تندرج ضمن مخطط الغرب لإنهاء الحرب في هذه المنطقة، إذ إن "الغرب رأى في هذا الحل الدموي أفضل طريقة لإنهاء الحرب التي عصفت بالبوسنة".
وذكّرت الصحيفة بأن البوسنة كانت في تلك الفترة منطقة محمية من الأمم المتحدة، وكانت قوات حلف
الناتو مخولة للتدخل من أجل إيقاف أي اشتباكات أو أعمال مسلحة في المنطقة.
كما أشارت إلى أن مجموعة من قوات حفظ السلام الهولندية كانت تحمي سربرنيتشا، ولكن وعلى الرغم من هذه الحماية المفترضة، فإن المليشيات الصربية تمكنت من الدخول إلى المقاطعة وتنفيذ جرائمها دون رادع.
وأضافت أن هذه المليشيات تعمدت على مدى أربعة أيام ترحيل النساء خارج المنطقة، والإبقاء على الرجال فقط، ليتم قتلهم لاحقا بشكل ممنهج، تحت أنظار ومسامع قوات حفظ السلام التي لم تحرك ساكنا للحيلولة دون وقوع هذه العملية الوحشية، التي وصفتها المحكمة الدولية بجريمة "الإبادة الجماعية".
وأوردت لوتون، على لسان الجنرال الهولندي، أونو فان دروند، أن "القوات التابعة للأمم المتحدة ساهمت في هذه المجزرة، عبر تزويد المليشيات الصربية بما يقارب 30 ألف لتر من البنزين، لتشغيل محركات الجرافات التي كانت تستعمل في حفر المقابر الجماعية".
كما اعتمدت الصحيفة على شهادة فلورنس هارتمان، مؤلفة كتاب "دماء سياسة الأمر الواقع: القضية الصربية"، والمتحدثة باسم المدعية العامة السابقة السويسرية في المحكمة الجنائية الدولية، كارلا ديل بونتي، التي تحدثت عن وقائع هذه المجزرة من خلال التجربة التي قضتها في إجراء المقابلات مع عائلات الضحايا، وفي جمع الأدلة التي لها علاقة بالقضية.
وتنقل الصحيفة عن هارتمان قولها: "بعد الاطلاع على الوثائق التي تم رفع السرية عنها من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ظهرت عدة معطيات تضعف بشكل كبير الرواية الرسمية، وتلقي بالمسؤولية على القوات الدولية والدول الغربية".
ومن بين المعطيات التي كشفت عنها الوثائق، اتصال هاتفي بتاريخ 27 أيار/ مايو 1995، جرى بين كلينتون وميجور إلى جانب الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك؛ دارت فحواه حول وقوع ما يقارب 400 جندي من قوات حفظ السلام رهائن لدى القوات الصربية، بعد غارة جوية شنها الناتو ضدهم، لتتخذ واشنطن على أثر هذا الخبر قرارا بإيقاف عمليات الحلف الأطلسي.
وفي السياق نفسه، أوردت الصحيفة مقطعا من مذكرة سرية صدرت في شهر أيار/ مايو الماضي وتعود لكلينتون؛ حيث يقول فيها مخاطبا مستشار الأمن القومي آنذاك، أنطوني ليك: "لن نقوم بأي عمليات جوية جديدة، ولكن هذا القرار سيبقى سريا ولن يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام"، وهو قرار اعتبرت الصحيفة أنه كان قرار مصيريا، حيث كان له تأثير كبير على مجريات الأحداث في سربرنيتشا.
وأضافت لوتون أن بريطانيا عمدت إلى طلب سحب قوات حفظ السلام بدعوى خطورة الوضع في المنطقة، في وقت تجنبت فيه القوى الغربية اللجوء إلى ترحيل المسلمين من سربرنيتشا، وذلك لكي لا تقع في فخ الاعتراف بوجود تطهير عرقي، تقوده مليشيات الموت الصربية بإيعاز من السلطات المحلية.
وأضافت الصحيفة على لسان هيرمان أن "القوات الهولندية بقيت وحيدة في مواجهة المليشيات، ولم تستطع التحرك في ظل انقطاع الاتصال المباشر بالأمم المتحدة، كما أن هذه الأخطاء قد ساهمت في تدهور الوضع، ولكنها ليست السبب الوحيد وراء وقوع المجزرة".
وأوردت لوتون أن مستقبل الناتو آنذاك كان على المحك، ولذلك توجب على الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التضحية بسربرنيتشا، فالوضع كان سيئا وكان على هذه القوى الثلاث أن تتصرف بشكل ما لحفظ ماء الوجه ولتفادي وقوع خسائر في صفوفها.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أعلن عن إنشاء صندوق من أجل سربرنيتشا، بقيمة 1.2 مليون جنيه استرليني، كما علق على هذه المجزرة قائلا: "إن أحداث ذلك اليوم لا تنسى".