خطوة المكث عند خط الرجعة في مصر

المتابع للتطورات الخطيرة الأخيرة في مصر يلاحظ أنها تعيد مراحل رئيسية من المأساة الجزائرية في تسعينيات القرن العشرين، لكن في شروط إقليمية ودولية تختلف كل الاختلاف عما كانت عليه الأمور أنذاك، فمن أبرز الشروط الإقليمية: الحروب الأهلية المتفجرة في المنطقة، وتداخل بين الثورات المضادة، وتوقف التجربة في بداياتها في الدول التي شهدت ثورات وانتفاضات.

- زوال أنظمة كبيرة وتفكك جيوشها.
- صراعات الأنظمة ومصالحها تحت غلالة الصراع الطائفي، والعبث بالقضية الفلسطنية في صور وأشكال متعددة إلى التلهي والتلهية، ولم لا السخرية!

 - المعطى الإرهابي الذي نشأ وكبر وتعملق في زمن قياسي مستفيدا من استثمار دولي له وتفكك الدول والجيوش والأنظمة، وتحويل التمويلات المالية التي وجهت لإسقاط أنظمة معينة في المنطقة.
 
- أما على المستوى الدولي فالإرادة الدولية الماضية نحو إعادة ترتيب العالم العربي تحديدا بما يلبي حاجاتها لموارده النفطية، وتحجيم مُمكناته في التغيير، والتحول الديمقراطي الذي يليق بكرامة الإنسان. 

- كيان صهيوني يشعر بالخطورة التي يمثلها أي تحول إيجابي في دول المنطقة؛ نتيجة عوامل كثيرة منها: المستوى التعليمي للأجيال الجديدة ، روح المقاومة والرفض التي تسكن نفوس هذه الأجيال وفشلت كل المحاولات وجهود الترويض التي جهد العالم كي يقبل جيل المستقبل بهذا الكيان اللقيط، جزءا طبيعيا من النسيج السياسي والثقافي والحضاري للمنطقة، فلم يخرج من ذلك بما يقر عينه. 

- المخاطر التي صارت تمثلها وسائل التواصل الإجتماعي والتطور التكنولوجي الرهيب في وسائل الاتصال والإعلام في كشف حقيقة هذا الكيان أمام الرأي العام العالمي، وتحقق من هذا عين اليقين من خلال ردود الأفعال عالميا على إبادته الإجرامية لغزة وسكانها العزل في حربه الأخيرة عليهم .   

- حاجة العالم للثروات الكبيرة التي يزخر بها العالم العربي وتقديرها على ضوء  التطورات المذهلة والكبيرة علميا وصناعيا، حتى صار الإنسان يعجز عن كبح جماحها.

- شراهة الشركات العابرة للقارات غير المحدودة للربح  والمواد الولية، والكفاءات العلمية الجيدة والرخيص.

- الخطر الذي يمثله الإسلام بسبب انتشاره المذهل الواعد بتصدر مشهد الديانات عالميا، وتمثل مصر ضمن هذا المشهد ما يأتي:

- القوة البشرية العربية الأكبر - الكفاءات العلمية الكبيرة والمتنوعة (لنفهم بصورة عملية نقيس بما حدث للكفاءات العلمية العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين) - اليد العاملة الرخيصة - الجيش العربي الأكبر الذي لا يزال متماسكا رغم الأزمات والمشكلات الداخلية، التي يتحمل وزرها الأكبر قيادته الكبرى التي تغامر بمكانته ودوره، وبالوطن كله بعدئذ، والتي يراد من خلالها إدخال البلاد في حرب أهلية بين الجيش و الشعب أو أقوى فصيل ثقافي واجتماعي وفكري وعقائدي الإخوان المسلمين كما ذكر الأستاذ صالح عوض في مقاله الأخير بجريدة الشروق الجزائرية.

وبغض النظر عمن يربح أويخسر في النهاية هذه المعركة الداخلية، فإن الخاسر هو مصر وشعبها حتما. والمؤشرات التي تحملها تطورات هذا اليوم تحديدا أخطر مما يمكن توقعه، فلنقل بوضوح إن كلا الطرفين قد غمس يديه في إناء الدم . 

إذن، هل الأفق مسدود سد ذي القرنين؟ إذا نظرنا إلى الأمر على ضوء المعطيات السابقة، والتطورات المتسارعة على الأرض يمكن القول إنه كذلك، وأن على العالم العربي أن ينسى خارطته الحالية التي ورثها عن الاستعمار، ولتنتظر الشعوب مصيرها الجديد الذي ستتولاه القوى التي تقرر مصير هذا العالم على ضوء مصالحها، لكن بعد أن تنهك الحروب الداخلية وبشاعاتها الشعوب، وتعود بها إلى وضع شبه شعوب.  

لكن رغم ذلك، فإن أمل المؤمن لا ينقطع في الله أولا، ثم في التطلع إلى الممكن  فعله. ومن هنا نرى بالإمكان أن تبادر قوى داخلية لها قدر من المصداقية الشعبية بالدرجة الأولى، ولا يعاديها النظام معاداة استئصال، ويمكن أن يتجاوب معها إيجابيا لو شعر بالخطر المحدق عليه، سواء كانت هذه القوى شخصيات أو كيانات سياسية، أو حتى ثقافية وفكرية ودينية وعلمية، فتطرح مبادرة ممثلة في مجموعة من الخطوط الأولية للتراجع عن خطوط التحارب.

والأمر على أي حال مازال لم ينفلت حد تجاوز خطوط الرجعة.

لتكون هذه الخطوة حافزا للتفكير في بحث أساليب سلمية تعالج بها المشكلة، التي من أهم شروطها استعداد كل الأطراف لتنازلات قد يبدو بعضها مؤلما، لكنه ألم يحتمل في سبيل مصلحة مصر وشعبها وتاريخها وحضارتها، وكذا لبقائها حاجزا أمام الصلف الصهيوني مهما يكن حالها في هذه المرحلة.  

وعلى المؤمنين أن يرفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى في هذه الليالي المباركة كي يحقن الدماء، ويطفئ الفتن، وأنا متجه الآن لصلاة  الصبح في المسجد النبوي إن شاء الله داعيا بهذا.