حتى العام 1997، كان قضاء
الطارمية (50 كيلومترا شمال بغداد)، يتبع إداريا لمحافظة صلاح الدين قبل إلحاقه بمحافظة بغداد، ويقع على امتداد الضفّة اليمنى لنهر دجلة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبساتين، التي تُعدّ جغرافيا مناسبة للعمل القتالي، كما أن المدينة ذات أهمية استراتيجية لطرفي الصراع الدامي الذي يعيشه
العراق.
شهد قضاء الطارمية، خلال الأيام الأربعة الماضية، حصارا كاملا من قبل القوات الأمنية والحشد الشعبي، بمساندة قوات
الصحوات، مع حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات الشباب، قبل أنْ يشنّ
تنظيم الدولة هجوما واسعا على المعسكر الرئيسي الواقع في منطقة هراوة، ليلة السبت الموافق 20 حزيران/ يونيو، ابتدأ بقصف مكثّف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، فيما تقدّمت مجموعات من مقاتلي تنظيم الدولة الذين تمكنّوا من اقتحام الحاجز الشمالي والذي يليه، قبل الوصول إلى بوّابة المعسكر الرئيسية، حيث شهد المعسكر حالة انسحاب عشوائية بين جنوده وضباطه، كما يروي القيادي في صحوات الطارمية، سلمان المشهداني، في حديث خاص بـ"عربي21".
يضيف المشهداني قائلا: "حاول تنظيم الدولة الالتفاف على القوات المنسحبة للقبض على الضباط، أو قتلهم، خاصة أنّهم كانوا يعقدون اجتماعا مهما، بينهم قيادات في الصحوات وأخرى من وزارة الدفاع".
ورداً على سؤال لـ"عربي21" حول ما إذا كان تنظيم الدولة على علم مسبق بهذا الاجتماع، يقول المشهداني: "ليس لدي ما يؤكد علم التنظيم بهذا الاجتماع، لكن هناك مؤشرات تثير التساؤل، فالتنظيم -كما نعرفه- لا يقوم بعمليات اقتحام لا تحقق غاياتها، فهو حاول قطع الطرق المؤدّية إلى المعسكر، والالتفاف حوله لاقتحامه مع بداية الاجتماع، لكنّ سرعة تدخل الصحوات العشائرية وقيادة شرطة الطارمية، دفع بمقاتلي التنظيم للانسحاب تحت وابل من القصف المكثّف، خشية وقوعهم تحت حصار الصحوات والشرطة، وذلك بعد أن دمّر وأحرق عدّة آليات عند بوابة المبنى الرئيس في المعسكر".
من جانب آخر، صرحت وزارة الدفاع العراقية بأنّ قوات الجيش المتمركزة في المعسكر تمكنت من قتل 25 عنصرا من تنظيم الدولة.
لكنّ المشهداني رفض الإفصاح لـ"عربي21" عن حقيقة خسائر الجيش، وقال: "ربما يكون قد سقط قتلى من التنظيم في أثناء الانسحاب، لكنّني لمْ أرَ جثثا في المعسكر أو محيطه، وهذا يؤكد عدم وقوع اشتباكات في المعسكر دفاعا عنه، ولولا تدخل الشرطة والصحوات والطائرات المروحية بعد أقل من نصف ساعة، وهو الوقت الذي استغرقه الهجوم بداية ونهاية، لكنّا قد فقدنا هذا المعسكر المهم".
وتشتكي قيادات الصحوات من عدم الاهتمام الجدّي للجيش بتقديم الدعم والإسناد، كما أنّ طيران التحالف الدولي لا يتعامل مع الكثير من طلبات الدعم التي يتم رفعها لقيادات الجيش بعد رصد مواقع التنظيم وتجمعاتهم.
ويرى المشهداني "وجوب تدخل طيران التحالف في هذه المنطقة المهمة، وإلاّ فإنّ بغداد في خطر، ولن يلبث التنظيم حتى يتقدم أكثر، ثمّ تحملنا الحكومة المسؤولية بالتخاذل والتآمر، لكنّنا اليوم ندافع عن مناطقنا، وعلاقتنا مع ضباط الجيش هنا علاقة مصير، فهم يتفهمون وضع المنطقة، وسنتكاتف معهم للدفاع عن بغداد ومناطقنا".
ويختم القيادي في صحوات الطارمية، سلمان المشهداني، حديثه لـ"عربي21" بالقول: "تنظيم الدولة يتفوق علينا في التسليح، كما ونوعا، وهو يمتلك عجلات حديثة، في حين لا زلنا نعتمد بالدرجة الأولى على أسلحتنا التي قدّمتها لنا القوات الأمريكية في العام 2007، مع بعض الذخائر التي يقدمها لنا الجيش بين فترة وأخرى. كما أنّنا نشتري الكثير من الأسلحة والذخيرة من تجار السلاح، ونحن اليوم بين خيار أنْ نبقى بلا سلاح، أو أنْ نقاتل تحت راية الحشد الشعبي كي يصلنا السلاح، وكلاهما خيار صعب"، حسب تعبيره.