قال محمد شقير، الخبير
المغربي في الشؤون العسكرية، إن التحالف بين المغرب ودول الخليج، والذي شمل جوانب متعددة، هو في العمق منه "تحالف عسكري مغلف بإطار اقتصادي".
شقير، صاحب كتاب "السلطة وتطور المراسيم العسكرية بالمغرب: بين استعراض القوة والتحكم في المجال السياسي"، أرجع ذلك في حواره مع الأناضول إلى أن "الجيش المغربي لديه جاهزية وقدرة عالية على التحرك في بيئات مختلفة، وهذا ما جعل القوى الدولية والإقليمية تطلبه للمشاركة في عدة مسارح حرب في مختلف بقاع العالم"، بحسب قوله.
وفي ما يأتي تفاصيل الحوار:
* مؤخرا كثرت مشاركات الجيش المغربي في أعمال عسكرية خارج البلاد، كيف تقرأ هذا؟
- مبدئيا لا بد من التذكير بأن للمغرب تاريخا عسكريا عريقا، سواء عبر تدخلاته في ما كان يسمى الأندلس، أم في منطقة المغرب العربي حتى حدود مالي، والسودان، وحتى بعدما خضع للحماية الفرنسية فإن مكوناته العسكرية قد شاركت تحت راية إما الجيش الفرنسي أو الإسباني، في عدد من الحروب، وبعد الاستقلال في العام 1956 فقد دشن المغرب تحركاته في عهد الملك الراحل الحسن الثاني في كل من "شابا"، وفي حرب 1973 في الجولان السورية ضد إسرائيل.
ومؤخراً شارك المغرب في أطر عسكرية دولية، سواء في كوسوفا أم غيرها، وبالتالي فهذا كله يؤكد أن الأمر ليس بجديد على العسكرية المغربية.
* لكن لسنوات ظل المغرب منكفئا على ذاته في سياسته الخارجية، خاصة الجانب العسكري!
- هذه مسألة طبيعية بحكم أن الملك محمد السادس كان عليه التركيز على الداخل في بداية حكمه، وهو ما تجلى في رفعه شعار "تازة بل غزة"، وبعد مرور فترة استقرار على الصعيد الداخلي، بدأت تطور السياسة الخارجية للمغرب إلى ما نلمسه الآن، خاصة أن ما تشهده المنطقة العربية مؤخراً من أحداث ساهم إلى حد كبير في ضرورة دخول المغرب إلى المعترك الخارجي مجددا وبقوة، فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، ساهم المغرب على المستوى الاستخباراتي، في محاربة أشكال التطرف، وبعد ما سمي بالربيع العربي، بدأ المغرب يتحرك في هذا المستوى، خصوصا أن المسألة ترتبط بأمنه القومي.
وأظن أن التحالف بين المغرب ودول الخليج، وما سمي بالمبادرة الخليجية والتي شملت التعاون على مختلف الأصعدة بما فيها التعاون العسكري، تأتي في هذا الإطار، وأظن أن المبادرة في العمق منها تحالف عسكري مغلف بأطر اقتصادية ومالية.
* في هذا السياق هل يملك المغرب أجندة أهداف خاصة من وراء هذه المشاركات، أم أن الأمر مجرد استجابة لطلب أصدقائه في الخليج؟
- أظن أن المسألة مرتبطة بعدة اتفاقيات على المستوى العسكري أبرمها المغرب من قبل، خاصة مع الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى أن هناك وجودا عسكريا مغربيا، في مختلف دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية.
* هل يمكن أن تنعكس هذه المشاركات الخارجية على العقيدة العسكرية للجيش المغربي؟
- العقيدة العسكرية في المغرب مرتبطة بالمؤسسة الملكية، فحتى القوات العسكرية تسمى "القوات المسلحة الملكية"، بمعنى أن المؤسسة الملكية هي التي تتحكم في كل مكونات الجيش، بحكم الدستور الذي يعتبر الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبحكم أن الملك يتحكم في كل مكونات الهرمية العسكرية بالمغرب، وقد لاحظنا كيف أنه بعد صعود الملك محمد السادس للحكم - وكان منسقا للمصالح العسكرية خلال ولايته للعهد - قام بعدة تغييرات وترقيات في الجيش داخل صفوف القيادة العسكرية، وهذا يظهر أن الجيش يتحرك وفق "الدبلوماسية الملكية". وبالتالي فإن التحالف الذي قام بين ما يسمى بـ"الملكيات العربية" والذي ضم المغرب ودول الخليج والأردن، أدى إلى هذا التداخل العسكري.
* يشارك المغرب حالياً في عدة مسارح عسكرية في الوقت ذاته، بينها مالي وأفريقيا الوسطى، واليمن، والحرب ضد تنظيم الدولة، ما دلالة ذلك في رأيك؟
- دلالتها مرتبطة في الأساس بالبعد الجيوستراتيجي. فجميع هذه الميادين مؤثرة في الأمن القومي للمغرب، وتحيط به جغرافيا، فكان من الطبيعي أن يتحرك على هذا المستوى، خصوصا وأن التداعيات والتغيرات التي يعرفها العالم، وشبه عدم الاستقرار التي تعرفها المنطقة، خاصة بعد 2011، جعلت صانع القرار العسكري والسياسي في الرباط، يركز بالأساس على ضرورة الحفاظ على الأمن الداخلي المغربي من خلال تدخلاته العسكرية في الخارج.
* في كل حرب تدخل حسابات الربح والخسارة، ما هي قدرة المغرب على تدبير، أو تبرير، خسارته المحتملة في أي من هذه المشاركات؟ خاصة أن هناك من تحدث عن "خسارة محققة"، بعد سقوط طائرة إف16 من أصل 6 طائرات يشارك بها في اليمن؟
- عندما نتحدث عن الخسارة والربح في الحروب، نتحدث عن تدخل مكثف ومباشر، لكن تدخل المغرب كان في إطار تحالف، ومحدد جدا، بمعنى أن مشاركة المغرب مثلا في اليمن، كانت من خلال طائراته فقط، وما حدث بالنسبة لسقوط طائرة إف16، يدخل في إطار الخسائر المحتملة، وليس خسائر بمعنى خسائر الحرب، لأن المغرب لا يشارك في الحرب بشكل مباشر، وإنما يدعم حلفاءه، وهذا يذكر بمشاركة المغرب أثناء غزو العراق للكويت، ففي الوقت الذي انتقدت المعارضة قرار الملك الراحل الحسن الثاني ببعث قوات عسكرية مغربية للمنطقة، كان رد الملك أن القوات المغربية ستكون فقط على الحدود السعودية وستحمي هذه الحدود، وهذا ما حصل فعلا، لأنه في نهاية المطاف لم تكن هناك خسائر كبيرة في هذه المشاركة، نظرا لطبيعة المشاركة ومحدودية تدخل القوات العسكرية المغربية في هذه المنطقة.
* ذكرتم أن المغرب يشارك في الكثير من العلميات العسكرية في إطار تحالفات ثنائية، لماذا لا يعلن المغرب مشاركة رسمية كدولة مثلاً في التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة، أو عاصفة الحزم في اليمن؟
- لأن المغرب يشارك في مواجهة "تنظيم الدولة"، عبر اتفاقية التعاون العسكري مع الإمارات، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن هذا التحالف تترأسه الولايات المتحدة في العراق وسوريا، أو السعودية في اليمن، وبالتالي لا دبلوماسيا ولا سياسيا ولا عسكريا يمكن للمغرب أن يدخل كدولة، لأنه ليست له مصالح مباشرة في المنطقة، ولا في حرب مباشرة ليست في حدوده القريبة، هو فقط يساهم في التحالفات كدعم عسكري، وهذا هو الإطار الذي دخل فيه المغرب من خلال اتفاقيات عسكرية رسمية.
* في نظركم ما دلالة تعيين بوشعيب عروب القادم من المخابرات العسكرية، قائدا عاما للقوات المسلحة المغربية؟
- طبيعة الظرف الراهن أنه يعتمد بالأساس على المعطى الاستخباراتي، سواء على الصعيد الأمني أم العسكري، لأن الخطر الحالي ليس الحرب المباشرة، وإنما الإرهاب، ومحاربة الإرهاب تعتمد في الأساس على المعلومة، وأظن أن تعيين عروب في هذا المنصب قبل عام، كان بسبب تجربته الطويلة في المجال الاستخباراتي، ولأنه يمتلك ما يمكن أن نسميه "ذاكرة الجيش المغربي".
أعتقد أن الخلفية الاستخباراتية صارت معطى حاسماً في تعيين الشخصيات لمثل هذه المناصب الأمنية والعسكرية العليا، كما حدث في تعيين عبد اللطيف الحموشي مدير عام المخابرات الداخلية، مديرا عاما للأمن الوطني، في الوقت ذاته.
* هل يمكن اعتبار مشاركة عناصر من الجيش في تأمين بعض المواقع المدنية الحيوية في المملكة، بالتعاون مع قوات الأمن، في إطار ما سمي بعملية "حذر" التي انطلقت في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، تحولا في دور الجيش المغربي؟
- من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة خاصة على الصعيد الاستخباراتي ظهر أن المغرب يدخل ضمن الأهداف الاستراتيجية للإرهاب؛ سواء القاعدي أم الداعشي، وبالتالي فبحكم ما يتوفر عليه الجيش المغربي من قدرات استخباراتية وعسكرية ولوجيستيكية، أصبح من الضروري التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، لأن الأهداف التي نما إلى علم المغرب أنها مستهدفة تمثلت في مواقع حساسة كالمطارات وغيرها.
* ألا يثير هذا المخاوف من إمكانية تدخل الجيش في السياسة، خاصة والمنطقة العربية تشهد تجارب مماثلة مؤخراً؟
- هذه المسألة تم حسمها عقب المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في 1971 و 1972، وتم إبعاد كل العسكريين، إلا في إسناد إدارة الأمن الوطني في بعض الأحيان، ولكن السياسة المنتهجة منذ ذلك الحين هي إبعاد العسكريين عن السياسة وإشغالهم، إما بالبحث عن مراكمة الثروات أو الاقتصار فقط على الشؤون العسكرية بالصحراء أو غيرها، ولن يسمح المجتمع المغربي بتكرارها، خاصة وأن المؤسسة المليكة هي التي تتحكم في مكونات المؤسسة العسكرية، ومن جهة أخرى لا ننسى أن الملك محمد السادس وفي سابقة بالمؤسسة العسكرية، عين مدنيا على رأس المخابرات الخارجية، وهذا يبين التوجه العام للملك في هذا الإطار. وإشراك مكونات عسكرية في تأمين الأمن الداخلي للمملكة لا يعني أنه سيتم إشراك قيادات عسكرية في التدبير السياسي، أظن أن التدبير السياسي أصبح مقتصرا على المدنيين والسياسيين، وتم الفصل بين الشأن العسكري والسياسي بشكل مطلق.