صعود الأكراد.. والخيار العربي

كتب منار الرشواني: إنه زمن الأكراد! فبعد دولة كردستان في العراق، التي استفادت -بالنتيجة- حتى من ظهور تنظيم "داعش"، للتمدد نحو مناطق "متنازع عليها" مع حكومة بغداد؛ لم يعد ممكنا إنكار تشكل ملامح إقليم كردي سوري مستقل، مدعوم بغطاء جوي أمريكي (دونا عن كل فصائل المعارضة السورية)، وإن كان المقاتلون الأكراد بقيادة أولئك المفترض أنهم على قوائم الإرهاب الأمريكية.

أما ما لا يتحقق بالسلاح، فتحققه الديمقراطية في حالة تركيا، التي منحت، مؤخرا، حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) ثمانين مقعدا في البرلمان التركي. ولا يبقى متخلفا عن هذا الصعود الكردي الإقليمي إلا إيران، التي وحدها من عرفت دولة كردية في السابق؛ جمهورية مهاباد، في العام 1946 (لمدة أحد عشر شهراً).

لكن مثل هذا الصعود لا يمكن أن يكون -بخلاف الانطباع اللحظي السائد الآن- إلا خبرا سيئا للأكراد أنفسهم، في ظل المعطيات القائمة؛ من حقيقة أنه صعود لا يؤدي إلا إلى توحيد كل الفاعلين الإقليميين ضدهم. فإيران -وتلقائيا حكومة بغداد وبقية نظام الأسد، الخاضعان لها- وتركيا، قد تختلفان على كل شيء، إلا رفض إقامة دولة كردية، حتى خارج أراضيهما وإنما على حدودهما، لأن هذه الدولة ستظل ملهمة لمواطنيهما الأكراد نحو مزيد من الاستقلال، أو أقلها الحقوق والامتيازات.

وفي الحالة التركية تحديدا، فإن "العدالة والتنمية"، بكل الإصلاحات التي أدخلها بشأن الاعتراف بالأكراد وحقوقهم، لا يخفي مشاعره تجاه أي خروج كردي عن المسار المطلوب تركيا، لأسباب ترتبط بالاقتراب من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو حقن الدماء وتحقيق إنجاز سياسي. كما يظل "العدالة والتنمية" هو الأقل عداء مقارنة بحزب "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" الموجودين أيضا في البرلمان التركي، ويرفضان أي مصالحة مع عبدالله أوجلان وحزبه "العمال الكردستاني"، إن لم يكن مع الأكراد عموماً.

وحقيقة هذه العداء الإقليمي، قد تخلق شقاقا ونزاعا موجودين أصلا بين الأكراد أنفسهم، كما تجلى ذلك لسنوات طويلة في العراق مثلاً، بين حزبي "الاتحاد الوطني الكردستاني" بقيادة جلال طالباني، و"الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود برازاني؛ إذ ليس من المتوقع أن يضحي إقليم كردستان العراق بإنجازاته وعلاقاته المتميزة مع تركيا التي تكاد تكون رئته الاقتصادية، لأجل مطامح كردية تركية وسورية.

وكذلك استعداء إيران علانية في حال محاولة أكراد إيران استلهام تجارب أقرانهم في دول الجوار. بل قد يكون أقرب للتوقع أن تصبح الأقاليم الكردية شبيهة بالدول العربية؛ تتغنى بكل عناصر الوحدة، لكنها ترفع في مواجهة بعضها شعار "اذهب أنت وربك فقاتلا"، هذا إن لم تتناحر هذه الأقاليم، تماما كما الدول العربية أيضا.

بالنتيجة، فإن حقيقتي الصعود الكردي، المتناسب طرديا مع العداء الإقليمي، هما ما يجب أن يكونا الحاكمين في التعامل مع الأكراد، وتعاملهم مع مواطنيهم أو جوارهم. فلم يعد خيارا عربيا التنكر للأكراد، أسوة بكل المكونات الوطنية الأخرى، كما فعلت الأنظمة "القومية" لعقود. تماماً كما لا يستطيع الأكراد الاعتقاد بأن الصراع الآن لعبة صفرية، ضد العرب في العراق وسوريا تحديدا، يمكن أن يفوزوا فيه جغرافيا لوقت ما، قبل أن يتحولوا إلى أقاليم محاصرة وفق أفضل الظروف، تخوض حرب استنزاف خاسرة في النهاية. فالخيار الكردي منطقيا هو خيار عربي، بالانفتاح والتصالح والتعاون، وفق صيغة ترضي الطرفين.

(عن صحيفة الغد الأردنية، 20 حزيران/ يونيو 2015)