كتب
محمد أبو رمان: خرجت تأويلات تسليم الراية الهاشمية للجيش العربي عن الغاية أو الأهداف المعلنة وغير المعلنة، المرتبطة بها. لكن أحد أبرز التفسيرات الذي وجد انتشاراً وقبولاً لدى أوساط سياسية وإعلامية، هو بشأن توسع الأردن وتمدده في المنطقة، ليشمل مناطق غرب العراق وجنوب
سوريا، وبعض المناطق في الضفة الغربية.
الزميل والصديق ماهر أبو طير، كتب (أمس) مقالاً أقرب إلى المرافعة عن هذا السيناريو، بعنوان لافت: "مملكة عربية جديدة عاصمتها عمان". وهي مقاربة تقوم على فرضية أنّ "الدور الوظيفي" للدولة الأردنية انتهى، وأنّنا أمام دور وظيفي جديد، يقوم على استيعاب هذه المناطق، وإلاّ فإنّ الخيار الآخر يتمثل في تفكك الأردن نفسه وانتهاء صلاحيته، ملوحاً بأنّ ذلك قد يترافق مع ضغوط اقتصادية شديدة.
من حيث المبدأ، لا يمكن أن نستبعد أي سيناريو له حيثياته، من القراءة المستقبلية؛ بخاصة وأنّنا بالفعل أمام فراغ سياسي سُنّي عربي في العراق وسوريا، وعلى مرمى تفكك هاتين الدولتين ومجتمعاتهما بصورة واضحة. وثمة على الجانب الآخر، خيبة أمل من مسار التسوية السلمية.
ليس ذلك فحسب، بل هناك مشاعر قومية إسلامية، وثقافة مشتركة، تجمعان أهل الشام والعراق (الهلال الخصيب). وكذلك الأمر بشأن السمعة التاريخية الجيدة للحكم الهاشمي على الصعيد الإنساني، وقبول دولي، مقارنة بما شهدته تلك الدولتان من أنظمة دكتاتورية أو طائفية دموية.
إذن، هذا السيناريو من الناحية النظرية أو المثالية، مطروح. لكن من الناحية الواقعية، فإنّ معضلة هذه "الفرضية" تتمثّل في غياب الشروط المطلوبة لتحققها، سواء لدى الآخرين أو لدى الأردن، فذلك يقتضي أن تكون هناك قوى عميقة مهيمنة في تلك المناطق السُنّية، تطالب بالمظلة الأردنية. فيما على أرض الواقع، نحن أمام فوضى، واختلافات جوهرية وجذرية كبيرة بين هذه القوى نفسها، وفي توجهاتها السياسية؛ فهناك اليوم مساحة واسعة من الأنبار بيد تنظيم "داعش" وقوى سُنّية مفتتة. وكذلك الحال في الجنوب السوري؛ إذ بالرغم من علاقة الأردن الجيدة مع الجبهة الجنوبية، إلاّ أنّ ذلك لا يعني بالضرورة قبولها بتقسيم سوريا، وبمظلة أردنية بديلة، من ناحية، كما لا يعني أنّ "جبهة النصرة" وقوى أخرى غير موجودة في تلك المناطق الجنوبية، وكذلك الأمر بالنسبة لداعش.
ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ أي سيناريو لضم هذه الأجزاء للأردن، ولو حتى بصيغة فيدرالية، يتطلب جيشاً كبيراً، بموارد مالية وإمكانات عسكرية تتناسب مع دولة عظمى أو إقليمية كبرى، كي يتعامل مع التحديات "الداخلية" الجديدة بعد التوسع، أو تلك التهديدات المحيطة، ولا تنسوا أننا سنكون حينها على تماس أكبر مع الفوضى الإقليمية، وهو ما لا يتوافر للأردن بأيّ حالٍ من الأحوال.
ربما هذا يأخذنا إلى الشرط الثاني، وهو قابلية الأردن للتمدد. وهذه، أيضاً، مسألة أخرى؛ إذ إن ذلك يتطلب دولة لها مواردها الكبيرة، تفرض نظاماً سياسياً قوياً. وبالإضافة إلى الشرعية التاريخية-الهاشمية، مطلوب شرعية سياسية توافقية. وفي ظل حالة الانقسام والتشرذم الحالية في المنطقة، التي تموج باتجاهات متشددة وراديكالية، ومنقسمة إلى قبائل وعشائر وطوائف، فإنّ الوصول إلى هذا الإجماع وما يتطلبه من إسناد عسكري وأمني وإعلامي وسياسي واقتصادي، هو أمر غير ممكن ولا مطروح!
هل يفكّر غربيون بذلك السيناريو؟ ربما. وهل يفكر فيه بعض السياسيين؟ قد يكون. وهل هناك حلم تاريخي وحدوي؟ غالباً. لكن هل الأمور ممهدة؟ وهل بنية النظام السياسية-الاجتماعية الحالية مهيأة أو متقبلة لهذه الفكرة؟ لا أظن. وهل الطريق ممهدة إقليمياً في هذه الدول والمجتمعات؟ لا أظن. هل هو السيناريو السائد لدى "مطبخ القرار"؟ الجواب: لا؛ فالحديث عن نفوذ أردني في تلك المناطق هو لحماية الأمن الوطني.
(صحيفة
الغد الأردنية)