نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا لياروسلاف تروفيموف، يحاول فيه الإجابة عن السؤال الآتي: في الحرب ثلاثية التشعب في
سوريا، هل يجب اعتبار التنظيم المنتسب لتنظيم
القاعدة هو الأقل شرا، ويجب التقارب منه بدلا من قصفه؟
ويشير التقرير إلى أن هذا هو رأي بعض حلفاء أمريكا المحليين، وحتى بعض المسؤولين الأوروبيين، ففي الحرب التي دخلت عامها الخامس، وتسببت بمقتل 230 ألف شخص، وتشريد 7.6 مليون شخص آخر، هناك خيارات جيدة قليلة لعلاج الأزمة.
ويبين الكاتب أن القوى الثلاث الباقية على الأرض اليوم، هي نظام
الأسد وتنظيم الدولة وتحالف الثوار الإسلامي، الذي تؤدي فيه جبهة
النصرة، المنتمية لتنظيم لقاعدة، والمصنفة على أنها إرهابية في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، دورا رئيسا.
وتوضح الصحيفة أن الثوار العلمانيين الذين يدعمهم الغرب، وجدوا أنفسهم محاطين بقوى أكبر وأكثر تسليحا، ما اضطرهم لخوض معارك مهمة جنبا إلى جنب مع جبهة النصرة.
ويجد التقرير أنه مع بدء نظام الأسد بالتأرجح، وكسب
تنظيم الدولة للمزيد من الأراضي في كل من العراق وسوريا، فإن مد اليد لجبهة النصرة الأكثر براغماتية، هو الخيار المعقول الوحيد أمام المجتمع الدولي، وهذا ما يحتج به مؤيدو هذا التوجه.
ويستدرك تروفيموف بأن المعضلة التي تواجه صناع السياسة تتفاقم في ضوء التقارير المستمرة عن وقوع أعمال وحشية من جبهة النصرة، بما في ذلك قتل السجناء، والزعم بأن قائدا محليا أعدم أكثر من 20 درزيا في قرية بعد شجار على بيت.
وتنقل الصحيفة عن الأمير فيصل بن سعود بن عبد المحسن، وهو عالم في مركز الملك فيصل بن عبد العزيز للأبحاث والدراسات الإسلامية، قوله: "عندما تصبح جبهة النصرة فجأة أكثر جاذبية، فإن هناك شيئا مهما وفيه دلالات كبيرة على خطورة الوضع، وفي هذه المرحلة يجب علينا التمييز بين التعصب والبشاعة".
ويلفت التقرير إلى أن قطر وتركيا هما من من ساعدتا الثوار الإسلاميين في جبهة النصرة في البداية، وكانت السعودية، وهي الأكبر، مترددة؛ خشية لعب دور المحرض لتنظيم القاعدة، التي تعد على عداوة خاصة بآل سعود.
ويستدرك الكاتب بأنه في الأشهر الأخيرة تحرك الملك سلمان للعمل مع الدوحة وأنقرة في دعمهما لتحالف الثوار، الذي يغلب عليه الإسلاميون، والذي يتضمن جبهة النصرة، بحسب الدبلوماسيين والمسؤولين في المنطقة. وهذه البلدان ترى أن الألم الذي يسببه نظام الأسد لسوريا هو المسؤول عن ظهور تنظيم الدولة بالدرجة الأولى، ويفضلون رؤية جبهة النصرة وحلفائها يحتلون المناطق التي تخليها دمشق، بدلا من أن يفعل تنظيم الدولة ذلك.
وتنقل الصحيفة عن روبرت فورد، الذي عمل سفيرا أمريكيا في دمشق في الفترة بين 2010-2014، ويعمل الآن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "قرر الأتراك والسعوديون والقطريون أن أهم مسألة هي التخلص من بشار الأسد، ولا يملك الأمريكيون وسيلة ضغط عليهم لتغيير ذلك".
ويضيف فورد للصحيفة: "تلك الدول مستعدة لاستخدام حتى المجموعات المتطرفة، مثل جبهة النصرة، للإطاحة بالأسد، وقد تسبب فشل الولايات المتحدة بتقديم بديل لأولئك المتطرفين بتقديم الدعم للمجموعات الأكثر اعتدالا بذلك التصميم من تلك الدول".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تجمع القوى الإقليمية خلف "الأقل شرا"، قاد إلى تدفق الأسلحة والتمويل مؤخرا إلى ما يسمى بجيش الفتح، وهو تحالف تؤدي فيه جبهة النصرة دورا أساسيا، وذلك لتحقيق مكاسب استراتيجية ضد النظام السوري في محافظة إدلب في الشمال السوري. كما أن الثوار المتحالفين مع جبهة النصرة يتقدمون في جنوب سوريا أيضا.
ويذهب تروفيموف إلى أن هذا التقارب مع جبهة النصرة مثير للجدل، ويزعج بعض أعداء نظام الأسد، فمثلا يقول وزير العمل اللبناني سجعان القزي، وهو سياسي لبناني مسيحي، عارض الأسد لفترة طويلة: "لسوء الحظ تحاول بعض الدول العربية أن تقنع الولايات المتحدة وبقية التحالف المحارب للإرهاب بأن جبهة النصرة قد تغيرت".
ويضيف القزي: "إن هذا خطأ كبير، فنحن نرفض أن نختار بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة، ونريد أن نختار بين الديمقراطية والديكتاتورية، وليس بين الإرهاب والإرهاب، فلو كان للسوريين أن يختاروا بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة والأسد، فإنهم سيختارون الأسد".
ويورد التقرير أنه خلافا لتنظيم الدولة، فإن جبهة النصرة تتألف بشكل كبير من السوريين، ومع أن آراءها الدينية راديكالية، إلا أنها ليست بذلك التطرف، وبينما امتنعت عن مهاجمة إسرائيل، بالرغم من السيطرة على بلدات على الحدود معها، فإنها واجهت تنظيم الدولة، وكان لديها الاستعداد للعمل مع غير الإسلاميين من الثوار.
وينقل الكاتب عن فريدريك هوف الذي عمل مبعوثا للرئيس أوباما إلى المعارضة السورية، وهو الآن زميل في معهد "أتلانتك كاونسل" في واشنطن، قوله: "كانت جبهة النصرة مغناطيسا جذب المقاتلين السوريين، الذين ليست لديهم إي أجندة جهادية أو طائفية متطرفة".
ويضيف هوف: "كما أنهم وجدوا في جبهة النصرة أمرين؛ لديها إمكانيات جيدة، ولديها استعداد لقتال النظام، بدلا من العمل في الأنشطة الفاسدة، ولعبة أمراء الحرب، التي تجدها في غيرها ممن هم تحت مظلة المعارضة".
وتذكر الصحيفة أن جبهة النصرة حاولت أن تميز نفسها عن تنظيم الدولة، وكان ذلك واضحا من المقابلة التي أجرتها قناة "الجزيرة" القطرية مع قائد المجموعة، أبي محمد الجولاني.
وينوه التقرير إلى أنه خلال المقابلة جلس الجولاني بقميصه المخطط ووجهه المغطى على كرسي يشبه العرش، وهو كرسي محافظ إدلب السابق. وطرح خلال الحلقتين ما يحسن من صورة جبهة النصرة، فيما نظر إليه إقليميا على أنه محاولة قطرية لإظهار جبهة النصرة خيارا جذابا.
ويجد تروفيموف أنه رغم أن الجولاني أكد ولاءه لقائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وقال إن النصرة لا تستهدف الغرب وكان حديثه عن الأقلية المسيحية فيه تسامح. ولكنه كان أقل تسامحا تجاه مجتمع الأسد العلوي، قائلا يمكن لنا قبول أشخاص من ذلك المجتمع كونهم إخوة لنا إن هم تحولوا إلى تيار الإسلام الرئيس.
يقول السياسي اللبناني والقيادي الدرزي، الذي فاوض جبهة النصرة بخصوص سلامة قرى الدروز في إدلب، وليد جنبلاط: "لا أستطيع تصنيف النصرة على أنها إرهابية، كما تفعل الدول الغربية؛ لأن معظم أعضاء النصرة هم من السوريين، ولكن نظام بشار الإرهابي اضطر السوريين إلى الالتحاق بالنصرة"، بحسب الصحيفة.
ويوم الخميس عندما تم تناقل أخبار القتل دعا جنبلاط من خلال "تويتر" إلى إنهاء "التحريض" الذي قد يعقد الأمور.
وتختم "وول ستريت جورنال" تفريرها بالإشارة إلى أنه مع أن دولا مثل قطر طلبت من جبهة النصرة أن تقطع علاقتها بتنظيم القاعدة، فإنه ليس من المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة بشطبها من قوائم الإرهاب قريبا، حتى لو وافقت على التبرؤ من تنظيم القاعدة.