لم تستطع الحاجة صفا أبو قطام (74 عاما) حبس دموعها وهي تستذكر أرضها وأهلها، ومنازلهم وذكرياتهم في مدينة الخليل بفلسطين المحتلة، حين كانت ترقب الصورة تلو الأخرى، في معرض أقيم بالعاصمة الأردنية عمّان، ليوثق معاناة الشعب
الفلسطيني بالصور منذ احتلال إسرائيل لأرضه عام 1948.
الحاجة صفا برفقة الصور التي كانت تحدق فيها مرارا وتكرارا، فتنكأ جراحها وتثير شجون الوطن المفقود، روت برفقة أولادها وأحفادها، ذكرياتها ونضال شعبها في مقاومة إسرائيل، قائلة: إنها خرجت من فلسطين وهي في مقتبل عمرها، لتجد المحتل الصهيوني يرتع في أرضها، "بعد أن قامت أمريكا وبريطانيا ودول أوروبا" بجمع شتات اليهود من كل أصقاع الدنيا ليحلّوا في فلسطين عنوة وظلما.
نظرت إلى بيارات البرتقال وحقول القمح وكروم العنب، في صور قام بتجميعها نادي الرواد الثقافي في الأردن "منظم المعرض"، فاغرورقت عيناها بالدمع وابتسمت، ثم انقبض قلبها، كما تقول، في جناح الصور الآخر المخصص لما بعد
النكبة عام 1948، فتغيرت ملامح وجهها وهي ترى صور الدمار وموجات الرحيل ومخيمات اللاجئين.
اليوم وهي تعيش في مخيم "حطين/ شنلر" للاجئين الفلسطينيين في مدينة الزرقاء (30 كم شرقي العاصمة) يحدو الحاجة صفا الأمل بالعودة إلى "دير نخّاس" موطنها ومسكنها ومكان ولادتها في مدينة الخليل "جنوب غربي القدس"، قائلة وهي تتكئ على كتف أحد أولادها "الأرض ستعود لأهلها ولا فرحة في قلوبنا في الخارج".
وأقام نادي الرواد الثقافي (غير حكومي تأسس 1992) في ذكرى النكبة التي تحل في الخامس من حزيران/ يونيو كل عام، معرضا للصور في مركز الحسين الثقافي وسط العاصمة عمان، تضمن جناحين للصور، الأول يضم صور فلسطين قبل نكبة 48 وحال الناس في تلك الفترة من نمو في الزراعة والثقافة والتعليم والعمران، والجناح الآخر يصور معاناة الشعب الفلسطيني وتهجيره وتعرضه للحروب الإسرائيلية المتتالية ومشاهد الدمار التي خلفتها آلة القتل الإسرائيلية، وفيه صور لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين أثناء النكبة وحرب 1967 المعروفة باسم "النكسة".
وقال ياسر عضو نادي الرواد، إن النادي قام بتجميع الصور من عوائل فلسطينية عاصرت النكبة وما قبلها، وكذلك من الهيئات الدولية، ومن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وأضاف أن المعرض الذي يستمر يومين يصور حالة الشعب الفلسطيني بنكباته المتتالية، وما تعرض له من الظلم والعدوان الإسرائيلي، وفيه رسائل للفلسطينيين وللعالم كله كيف كانت فلسطين وكيف أصبحت بفعل الاحتلال.
وقال عضو مجلس الأعيان الأردني "الغرفة الثانية للبرلمان" بسام حدادين إن فكرة المعرض رائدة ومهمة، وتصور الحياة البسيطة الهادئة للشعب الفلسطيني قبل نكبة 48، ثم ينقلك المعرض لمآسي الشعب الفلسطيني.
وأضاف حدادين وهو أحد عشرات الأردنيين الذين أمّوا المعرض: "إنه يقدم صورا لأحداث الدمار والتشريد الذي ما زال يلحق بالشعب الفلسطيني في غزة وجنين وغيرها".
وكان الفلسطينيون في الداخل والخارج قد أحيوا في 15 أيار/ مايو الماضي الذكرى السنوية لما يطلقون عليه "النكبة" الأولى، بمسيرات احتجاجية، وإقامة معارض تراثية تؤكد على حق العودة، وارتباطهم بأرضهم التي رحل عنها آباؤهم وأجدادهم عام 1948.
وقبل أيام وتحديدا في الخامس من حزيران/ يونيو الماضي، أحيا الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ذكرى حرب 1967، حيث شنّ سلاح الجو الإسرائيلي هجوما مباغتا على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، ما أدى إلى اندلاع "شرارة حرب الأيام الستة" كما تسميها إسرائيل، أو ما عُرفت عربيا بـ"النكسة".
وخلال تلك الحرب احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وقطاع غزة الفلسطيني، وسيناء المصرية، والجولان السورية، وامتدت من 5 إلى 10 حزيران/ يونيو، وأدت إلى مقتل نحو 20 ألف عربي و800 إسرائيلي، وتدمير 70 -80% من العتاد الحربي في الدول العربية، مقابل 2- 5% في "إسرائيل"، وفق إحصائيات إسرائيلية.
وترتب على "النكسة" وفق إحصائيات فلسطينية تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، معظمهم نزحوا إلى الأردن، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس، والضفة الغربية المحتلة.
وأدت حرب 67 إلى فصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنية، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب، لقاء اعتراف العرب بإسرائيل.
وبحسب آخر إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أيار/ مايو 2013، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بلغ مليونين و124 ألفا و628 لاجئا، يعيش منهم 372 ألفا و822 لاجئا في 13 مخيما للاجئين، فيما تنتشر الغالبية خارج المخيمات وفي مختلف المدن والقرى الأردنية.