استيقظت تركيا صباح الثامن من حزيران/يونيو على مشهد جديد في البلاد لم تعهده منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002، إذ يبدو الأخير للمرة الأولى عاجزا عن تشكيل حكومة بمفرده، رغم تقدمه في الانتخابات الرابعة على التوالي في الانتخابات البرلمانية بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وهو ما فتح الباب واسعا على نقاش
السيناريوهات المتوقعة وفرص نجاح كل منها.
بداية، تجدر الإشارة إلى أن النتائج التي صدرت الأحد، هي نتائج غير نهائية وغير رسمية، حيث ينتظر أن تصدر النتائج الرسمية عن اللجنة العليا للانتخابات في غضون 12 يوما على الأكثر، أي بعد النظر في الطعون، ولا يتوقع لها أن تختلف كثيرا عن النتائج التي بين أيدينا.
بعد إصدار اللجنة النتائج بخمسة أيام فقط سيجتمع البرلمان - وفق الدستور - لينتخب رئيسه ويبدأ بمزاولة مهماته وصلاحياته.
وهو ما يعتبر دستوريا بدء الفترة القانونية لتشكيل الحكومة، التي تمتد على مدى 45 يوما، يحق للرئيس بعدها - في حال فشل كل سيناريوهات تشكيل الحكومة - الدعوة لانتخابات مبكرة.
ولعله من المفيد هنا، قبل الدخول في تفاصيل السيناريوهات المستقبلية المتوقعة، أن نستعرض نتائج الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان وعدد المقاعد المتوقعة لكل منها فيه، إذ سيساعد ذلك في حسابات الحكومات المحتملة، باعتبار أن أي حكومة مشكــلة ستحتاج إلى 276 صوتا لنيل الثقة.
الحزب النسبة المئوية عدد المقاعد في البرلمان
الحزب |
النسبة المئوية |
عدد المقاعد البرلمانية |
العدالة والتنمية |
40.82 |
258 |
الشعب الجمهوري |
24.99 |
132 |
الحركة القومية |
16.35 |
80 |
الشعوب الديمقراطي |
13.11 |
80 |
من الناحية النظرية ثمة العديد من السيناريوهات الحكومية الممكنة، لكن حالة الاستقطاب الشديد والمواقف المعلنة فورا بعد إعلان النتائج غير الرسمية يضيقان عدد وأفق هذه السيناريوهات إلى الحد الأدنى.
فيما يلي السيناريوهات الممكنة نظريا:
1- حكومة ائتلافية بقيادة العدالة والتنمية: سيحتاج الحزب الحاكم وفق هذا السيناريو للتحالف مع حزب أو أكثر لتشكيل الحكومة.
لكن، من الناحية الواقعية لا يمكن تخيل ائتلاف حكومي مع الشعب الجمهوري لعدة أسباب أهمها التناقض الكبير بين البرامج والموروث السياسي والتاريخي المليء بالخلاف، إضافة إلى إعلان الحزب رفضه التحالف مع العدالة والتنمية بشكل واضح.
حزب
الشعوب الديمقراطي أيضا اتخذ نفس الموقف رغم أنه كان أبرز المرشحين نظريا للتحالف مع الحزب الحاكم، لكنه فضل البقاء في صفوف المعارضة كما وعد في الحملة الانتخابية باعتبار أن نسبة معتبرة من الأصوات التي حصل عليها كانت بفضل موقفه الحاد من الحزب الحاكم، والرئيس أردوغان تحديدا.
وبذلك يبقى فقط حزب الحركة القومية الذي ألمح إلى رفضه أيضا، لكنه لم يغلق الباب تماما، بل كان انتقاده الواضح لـ"تغول" أردوغان على الحياة السياسية إضافة إلى عملية التسوية مع الأكراد أقرب إلى ذكر شروطه للتعاون.
2-
حكومة أقلية يشكلها العدالة والتنمية: ويسندها أحد الأحزاب بإعطائها الثقة في البرلمان دون أن يشارك بها. وهو سيناريو أقل حظا من سابقه، إذ يفترض من أحد أحزاب المعارضة دعم حكومة العدالة والتنمية دون الاستفادة بحقائب وزارية فيها، وهو أمر مستبعد جدا، إلا إن قرر حزب الحركة القومية ذلك كبديل عن المشاركة في الحكومة في حال لم تلب شروطه.
3- حكومة ائتلافية من أحزاب المعارضة الثلاثة: إذا ما أصرت الأحزاب الثلاثة على رفض المشاركة مع العدالة والتنمية، واتفقت فيما بينها على تشكيل ائتلاف حكومي، قد يكلف أردوغان أحد شخصيات المعارضة بتشكيل الحكومة، خصوصا أن الدستور لا يشترط على الرئيس تكليف شخصية من الحزب المتقدم في الانتخابات.
بيد أن هذا الخيار يصطدم واقعيا بعقبتين رئيستين: الأولى عدم التجانس بين مكونات هذه الحكومة، خاصة الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، والثانية مدى استعداد أردوغان للقبول بهكذا حكومة، حيث لا يجبره الدستور أيضا على ذلك، وقد يفضل السيناريو الخامس عليه.
أكثر من ذلك، حتى وإن تم تشكيل حكومة بهذه الطريقة، ستحمل في داخلها عوامل فشلها، وستكون معرضة للسقوط في أي وقت.
4- حكومة أقلية من المعارضة: وهو سيناريو يتجنب تواجد الحركة القومية مع الشعوب الديمقراطي في حكومة واحدة، فيشكل الحكومة الشعب الجمهوري مع أي منهما بدعم من الحزب الثالث (بإعطائها الثقة دون المشاركة بها)، في حال توفرت شروط السيناريو السابق، أي الإصرار على رفض العدالة والتنمية والاتفاق على الائتلاف بهذا الشكل واستعداد الرئيس التركي لترك حزبه السابق في صفوف المعارضة.
5- الانتخابات المبكرة: وهو السيناريو الأكبر حظا وفق العديد من المراقبين، في ظل رفض الأحزاب الثلاثة للتعاون مع العدالة والتنمية وصعوبة تشكيلها لحكومة ائتلافية أو حكومة أقلية دونه.
لكنه أيضا سيناريو مطروح حتى في حال تحقق أي صيغة من صيغ الحكومات السابقة، باعتبار أنها ستكون حكومات هشة وقابلة للسقوط أو التشظي مع مرور الوقت بسبب اختلاف البرامج والخلافات الكبيرة بين قياداتها، خصوصا تحت وطأة الحالة الاقتصادية المرشحة للتراجع - الذي بدأ فعلا - مع استمرار حالة الاستعصاء أو الانسداد السياسي.
إن الناخب التركي الذي قدم بنتيجة الانتخابات رسالة للأحزاب السياسية بضرورة الحديث فيما بينها واتفاقها وعدم تفرد أحدها بالحكم، ربما يكون أيضا قد قدم معادلة عقم الحلول السياسية واستدامة الغموض والحالة الضبابية في البلاد.
وفي قراءة سريعة لمختلف السيناريوهات النظرية المطروحة، وفرص تنفيذها وفق معطيات المشهد السياسي التركي بكل تعقيداته واستقطاباته، نستطيع أن نقول إن السيناريوهين الممكنين فعليا هما الحكومة الائتلافية بين العدالة والتنمية والحركة القومية والانتخابات المبكرة بعد 45 يوما من بدء المشاورات لتشكيل الحكومة.
وهذا الأخير خيار صعب على تركيا سيزيد من حالة الشك والتريب من قبل الجميع - سياسيين واقتصاديين وناخبين - إضافة إلى كونه خيارا غير مضمون العواقب، بل صعب التكهن بها، وهو ما سنتناوله في مقال لاحق إن شاء الله.
لمتابعة الكاتب على تويتر @saidelhaj