نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الحيرة التي يشعر بها
الجزائريون، أمام الحالة الصحية لرئيسهم، وعدم معرفتهم من هو الحاكم الحقيقي للبلاد، والأزمة التي يمر بها الاقتصاد الجزائري بسبب اعتماده الكلي على العائدات النفطية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن الرئيس الجزائري، عبد العزيز
بوتفليقة، لا يظهر على التلفزيون إلا في مناسبات نادرة، تكون غالبا عند استقبال سياسيين أجانب، ويظهر دائما كرجل ضعفت قواه، ويواجه صعوبة في التواصل.
ورغم المجاملات التي يتلقاها من ضيوفه، على غرار وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيس، الذي حياه "لحكمته ونجاعته"، فإن هذا الرجل لا يبدو قادرا على طمأنة شعب لم يعد يعرف، من الذي يمسك بمقاليد السلطة فعليا؟ وفي أي وجهة تسير البلاد؟
ونقلت الصحيفة عن علي بن فليس، أحد قادة
المعارضة الجزائرية، "إن الجزائر مرت بسنة بيضاء بالنسبة للدولة والشعب، لم يتم خلالها حل أي مشكل، والبلاد في طريق مسدودة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
كما نقلت عن عبد العزيز الرابحي، الدبلوماسي والوزير سابق، "إن المؤسسات الجزائرية تعيش حالة شلل، والرئيس يعيش حالة عزلة، ولا يملك أية وسيلة للتواصل وتصريف الأعمال غير شقيقه، سعيد بوتفليقة".
وأضافت أن النظام الجزائري يحاول تغيير الوضع عبر القيام بالتغييرات الوزارية، فقد قام في 14 من أيار/ مايو بإعلان تغيير وزاري كان منتظرا منذ أشهر، ونقلت عن الرابحي "إن الرئيس يريد من خلال هذه التحركات إعطاء الانطباع بأنه يمارس مهامه وبأن الحياة السياسية نشيطة في الجزائر، رغم أن الواقع هو أنه لا يملك أي برامج حقيقية".
وقالت الصحيفة إن الفراغ السياسي في الجزائر ليس أمرا مستجدا، ولكنه بدأ يأخذ أبعادا أكثر خطورة، في ظل تزامنه مع
الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد، فهبوط سعر برميل النفط، من 125 دولار إلى 50 دولارا، أدى إلى تراجع مداخيل البلاد، التي تعتمد على العائدات النفطية لتأمين 60 بالمائة من ميزانيتها، وتمثل المحروقات 98 بالمائة من صادراتها.
وأضافت الصحيفة أن الدولة كانت مقتنعة بأن هبوط أسعار النفط سينتهي خلال فترة قصيرة، ما دفعها إلى اللجوء إلى صرف مدخراتها من العملة الصعبة وفتح الصناديق الوطنية، ولكن هذه المدخرات ذابت بسرعة ولم تمكنها من تغطية العجز الكبير في الميزانية، و في 25 أيار/ مايو ، اعترف الوزير الأول عبد المالك سلال، للمرة الأولى، بخطورة الأزمة.
واعتبرت الصحيفة أن الجزائر مطالبة اليوم بإيجاد بدائل لتأمين مداخيل جديدة، وسيكون هذا صعبا بما أنها لم تستثمر العائدات النفطية الضخمة في الماضي لتطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى، وخاصة قطاع الصناعة، الذي لا يوفر أكثر من 5 بالمائة من الناتج القومي الخام. والبلاد تستورد كل شيء اليوم حتى البرتقال، وهو أمر بات الجزائريون يشعرون بالأسف حياله.
وقد بلغت فاتورة الواردات الجزائرية في سنة 2014 حوالي 60 مليار دولار، واتخذت الدولة في الأشهر الأخيرة إجراءات صارمة للتقليص من الواردات، وإيقاف المشاريع الكبرى التي تنجزها شركات أجنبية، والتشجيع على استهلاك الإنتاج المحلي، ولكنها لم تتجرأ على المساس بالمساعدات الاجتماعية والدعم الذي تقدمه للمواد الأساسية والمحروقات. فرغم أن هذه السياسات تكلف الدولة حوالي ربع قيمة الناتج القومي الخام، فإنها تحافظ عليها لأنها تضمن لها نوعا من الاستقرار الاجتماعي.
وقالت الصحيفة إن المعارضة تحاول التحرك، في ظل هذا الجمود السياسي، لإيصال صوتها والتعبير عن رغبتها في التغيير، فقد أطلق علي بن فليس حزبا جديدا اسمه طلائع الحريات، سيعقد مؤتمره التأسيسي في 13 و14 حزيران/ يونيو القادم.
كما سينعقد في السادس من هذا الشهر أول اجتماع للتنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي، وهي تنسيقية ولدت من رحم حركة مقاطعة الانتخابات الرئاسية في سنة 2014، بعد أن نجحت في توحيد الإسلامين والعلمانيين وراء مطالب واضحة.
ونقلت الصحيفة عن عالم الاجتماع ناصر دجابي، "أن الشعب الجزائري يتذكر جيدا أحداث العنف التي شهدتها البلاد في التسعينات، ويرى حالة الفوضى التي وصلت إليها ليبيا وسوريا، ويتمتع بريع العائدات النفطية عبر برامج المساعدات الاجتماعية والدعم، لذلك أصبح يفضل الاستقرار عن المخاطرة بالدخول في حالة الفوضى".
وأفادت أن "المعارضة كثفت من تحركاتها في الأشهر الأخيرة، وأصبح حضورها واضحا، ولكنها لم تنجح في تحريك الشارع. بعد أن أدت السياسات الاجتماعية للدولة طيلة السنوات الماضية إلى خلق حالة من العزوف على العمل السياسي لدى الشعب".
و ذكرت الصحيفة أن الاحتجاجات تندلع من حين لآخر، رغم حالة الركود السياسي والاجتماعي، فقد قام المئات من عناصر الشرطة بالتظاهر أمام مقر رئاسة الجمهورية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، للاحتجاج حول ظروف عملهم القاسية.
كما دخل عناصر الحرس البلدي في صراع لي ذراع مع السلطات للمطالبة بالاعتراف بحقوقهم.
أما أبرز هذه التحركات الاحتجاجية فقد كانت الاحتجاجات على أعمال التنقيب على الغاز الصخري في عين صالح، في الجنوب الجزائري، والتي أدت إلى تحريك هذه المنطقة لعدة أشهر، بعد أن كانت تعتبر من أكثر مناطق الجنوب هدوء. ولكن كل هذه التحركات لم تخرج عن طابعها الاجتماعي، ولم تتمكن من التأثير على الواقع السياسي.
وقالت الصحيفة إن مستقبل البلاد يبدو غامضا، بعد أن سقطت كل الوعود التي تم تقديمها خلال حملة الانتخابات الرئاسية في الماء. كما لا تزال مسألة خلافة بوتفليقة محل تجاذب ومصدر قلق كبير، بسبب تزايد الصراعات في الكواليس بين عدة طامحين للظفر بكرسي الرئاسة. أما في الشارع، فإن المواطنين لا يبدون أي اهتمام بالتغييرات الوزارية أو الأوضاع السياسية.