واصل الإعلامي والكاتب الصحفي المصري (المقرب من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي)، إبراهيم عيسى، مسلسل اتهاماته العنيفة للملكة العربية السعودية برعاية الإرهاب، وزاد عليها اتهامه للإمام محمد بن عبد الوهاب، هذه المرة، بأن "كل كلامه إرهابي"، على حد وصفه.
وقال عيسى، في مقال جديد له بعنوان: "حتى لا نصحو على داعش يقتحم الكعبة"، إن: "السعودية تقدم المحيط الآمن، والتربة الخصبة للفكر الإرهابي، وترعاه، وتحميه، وتدعمه، وتتباهى به، وتقول عنه اعتدالا".
ويمثل المقال الذي نشره عيسى في جريدة "المقال"، الأحد، التي يرأس تحريرها، ذروة اتهاماته للمملكة العربية السعودية، بشكل مباشر، برعاية الإرهاب، بل وصناعته، وكان يلجأ من قبل إلى أساليب مخففة في توجيه هذه الاتهامات إلى المملكة، التي تصاعدت منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم.
ويصنف عيسى في الأوساط المصرية باعتباره أحد الأذرع الإعلامية القوية للسيسي، وأحد أدواته في التعبير عن توجهاته السياسية، سواء بمدح دول، وذم أخرى، وابتزاز ثالثة، مؤكدين أنه لا يستطيع أن يتلفظ بلفظة دون رضاء أجهزة السيسي عنه.
وأشاروا إلى أنه بإمكان سلطات السيسي أن تخرص عيسى بأساليب كثيرة، إذا رأت فيما ينشره ما يسيء إلى علاقاتها بالمملكة، وأبسط شيء مصادرة مقاله، وعدم السماح بنشره، كما فعلت في حالات مشابهة، وأقربها واقعة صحيفة "الوطن"، التي أجبرتها أجهزة السيسي على تغيير عنوان ملفها من: "7 جهات أقوى من السيسي"، إلى "7 جهات أقوى من الإصلاح"، وذلك لمجرد أنها اعتبرت ما نشرته الصحيفة "إساءة للسيسي"، متسائلين: فما بالنا بالسعودية؟
وفي مقاله المشار إليه، انتقد عيسى: "محاولة الحكومة السعودية أن تقنعنا بأن نقبل بالإرهاب المعتدل، كأنه يمكن تقسيم الإرهاب إلى إرهاب وحش فظ قليل الأدب، وإلى إرهاب طيب وابن ناس"، وفق وصفه.
وأضاف: "هناك الإرهابي الذي يعمل لصالحي، وهذا هو المعتدل من وجهة نظر السعودية التي تدعم مع قطر جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة، في العراق، وتعلفه وتسمنه بالأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وتطلب منه أن يتخلى عن التسمية القديمة، ولا مانع من دمج كل كلاب النار، تحت تسمية جديدة لطيفة ليست مدرجة في قوائم الإرهاب الأمريكية وتطلق عليها: "المعارضة المسلحة المعتدلة"، أو "جيش الفتح" حسب وصفه.
وعلق عيسى ساخرا: "كأن بهذه الطريقة المفضوحة يمكن أن يلبس العالم الطرطور، وهو مبسوط جدا".
واستطرد مهاجما الإمام محمد بن عبدالوهاب، فقال: "هناك الإرهابي الذي يقول كل كلام الإرهاب الذي هو الخالق الناطق كلام محمد بن عبدالوهاب شخصيا، ووهابيته شخصيا، لكنه مؤمن ومحمي ومرضي عنه، لأنه متحالف مع الحكم السعودي، ومتقاسم معها إدارة البلاد، آل سعود الحكم، وآل الشيخ الدين، هنا يصبح التكفير والتحريم والتجريم لأي مخالف ومختلف من أي فكر أو مذهب غير وهابي طبيعيا جدا وعاديا، بل "واسم النبي حارسه" معتدلا أيضا".
وتابع: "الإرهاب ابن عاق في كل المجتمعات، وبخاصة في مصر، والسعودية".
واستطرد: "كل ما أخشاه أن يعود جهيمان العتيبي.. ذلك المهووس الذي صار اسمه الآن أبو بكر البغدادي أو محمد الجولاني أو أيمن الظواهري".
وقال: "سأعود إلى الجريمة المسكوت عنها في التارخ السعودي، لأنها التي لا تدع مجالا للشك في أن الأرض هناك تنبت الإرهاب قي كل المواسم"، وفق قوله.
وبعد أن سرد الحادثة، قال: "كان هجوم الإرهابيين يرفع شعارات إقامة دولة الخلافة، وتطبيق شرع الله، هذا في مواجهة مملكة تعيش على أنها رمز تطبيق الشريعة.. لكن هل ملأ أعينهم ما تقوله وتفعله السعودية؟"
وأجاب: "لا.. إن تنازل البعض أمام الإرهاب بمزيد من التشدد والتطرف يغري بمزيد من الإرهاب، والدليل ما وقع في مكة أواخر نوفمبر 1979، حيث لم يفهم أحد ماذا كان يجري؟ ومن يجرؤ على إحضار أسلحة إلى المسجد الحرام؟ ومن يجرؤ على استخدامها، لاحتجاز المصلين كرهائن، ومن يجرؤ على إراقة الدماء حول الكعبة؟
وخلص إلى القول: "لم يكن هذا إلا جهيمان العتيبي، زعيم حركة الإخوان في السعودية بأنصاره ورجاله الذي هم، وهو، النسخة الأخرى من جماعة الإخوان، والنسخة الأصيلة من داعش ولا شيء يمنع جهيمان العتيبي من العودة إلى الكعبة فقد قطعت السعودية رأسه، لكنها لم تقطع أفكاره، بل تتركها في جوامع السعودية، وتدفع لها في معاهد وجميعات مصر".
ويرى مراقبون أن المقال يمثل تحريضا سافرا على جماعة الإخوان المسلمين، السلمية المعتدلة، وخلطا للأوراق بين الجماعات الإسلامية سواء منها من ارتضى قواعد المدنية والعيش المشترك، والتداول السلمي للسلطة، أو الحركات المسلحة ذات التوجه الإسلامي، التي ترفض هذا المسار، وتحارب أنصاره.. حتى لو كانوا "إخوانا مسلمين".
ورأى المراقبون أيضا أن مقال عيسى هذا يكشف حجم الخلاف بين السيسي والقيادة السعودية في معالجة الأزمة السورية، مشيرين إلى أنه يردد مزاعم بشار الأسد، المبنية على مقولة: "أنا أو الإرهاب"، ويصب في إطالة أمد بقائه في الحكم، فضلا عن تخذيله المعارضة السورية، وفي القلب منها ذات التوجه الإسلامي، وكلها سياسات يتبناها السيسي بشكل واضح، وعبر عنها موقفه في قمة شرم الشيخ الاقتصادية، في آذار/ مارس الماضي، عند تلاوته رسالة الرئيس الروسي إلى القمة، وغيرها من مواقف عدة.