يتفاعل المشهد السياسي بالجزائر، بشكل سريع، منذ أقل من أسبوع، في ضوء تطورات "مفاجأة" داخل حزبي السلطة، حزب
جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي. ما جعل العديد من المتتبعين، يرون في هذه التطورات مجرد بداية مخاض لمرحلة سياسية جديدة بالبلاد.
فقد زكى المؤتمر العاشر لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم بالبلاد، (220 نائبا بالبرلمان من مجموع 460) الرئيس بوتفليقة، رئيسا له بصفة فعلية ورسمية بعدما ظل لعشر سنوات رئيسا شرفيا فقط، إذ لا يحضر مؤتمراته ولا إجتماعات اللجنة المركزية (صاحبة القرار في الحزب).
كما تمت تزكية عمار سعداني أمينا عاما له لفترة ثانية، بعد حرب ضروس خاضها مع معارضين له من داخل الحزب من وزراء بحكومة عبد المالك سلال ونواب بالبرلمان.
وهزم سعداني خصومه، بمجرد قراءته لرسالة من
قصر المرادية (الرئاسة
الجزائرية) الخميس 28 آيار/ مايو الجاري، خلال بدء المؤتمر العاشر للحزب، والذي ثبته بمنصبه، السبت بتزكية من أعضاء اللجنة المركزية.
أما حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ثاني حزب موالي للسلطة بالجزائر بعدد نواب بلغ 80 نائبا بالبرلمان، فقد استقال رئيسه، عبد القادر بن صالح، وهو رئيس مجلس الأمة بالجزائر، الخميس 28 آيار/ مايو بعد معارضة داخلية بالحزب طالبت برحيله.
ويعقد الحزب اجتماعا للمجلس الوطني، يوم 10 حيزران/ يونيو لانتخاب رئيس جديد، لكن الرئيس المرتقب للحزب، معروف لدى الطبقة السياسية وهو أحمد أويحي، الوزير الأول السابق ومدير ديوان رئيس الجمهورية
عبد العزيز بوتفليقة، وهو أيضا الرئيس السابق للتجمع الوطني الديمقراطي.
ومعروف على أحمد أويحي إتقانه "فن التقشف" بالجزائر؛ لذلك فوجوده مطلوب بالمرحلة المقبلة، بسبب تراجع مداخيل النفط وضبط الحكومة تدابير تقشف، لم تدخل كلها حيز التنفيذ.
ويعتقد المحلل السياسي الجزائري، محمد دخوش، أنه " ليس من الصدفة في شيء أن يقدم عبد القادر بن صالح على التنحي من زعامة الآرندي صبيحة انعقاد المؤتمر العاشر لحزب جبهة التحرير".
وتابع في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الأحد، " هذا الحسم المتزامن مع حرب المواقع في أكبر تشكيلتين سياسيتين في البلاد يوحي بأن طرفي النزاع داخل منظومة الحكم قد توصلوا إلى تسوية سياسية شاملة، ولا يستبعد أنهم اتفقوا على خليفة الرئيس بوتفليقة".
ويرى دخوش أن "المتتبع للممارسة السياسية للنخب الحاكمة في الجزائر منذ الاستقلال يعرف أنه من أهم خصائص هاته النخب، حرصها على الإبقاء على الحد الأدنى من التوافق، والانسجام بما يضمن استمرارية نظام الحكم".
وأضاف " في اعتقادي أن معركة الخلافة قد حسمت باتفاق الطرفين، فالأهم هو استمرار النظام، وإن كان الثمن التضحية ببعض الرؤوس كما رأينا وكما سنرى قريبا".
ويرى محللون أن تزامن التغييرات داخل حزبي السلطة، بمثابة حجرة أولى بإعادة بناء الخارطة السياسية بالجزائر، في وقت اشتد ساعد المعارضة التي تطالب بإنتخابات رئاسة مبكرة.
وتلقت الطبقة السياسية، خبر تولي الرئيس بوتفليقة، رئاسة الحزب الحاكم بالبلاد، بإستغراب شديد. وقال عبد المجيد مناصرة، رئيس "جبهة التغيير"، بالجزائر ، في تصريح لصحيفة "
عربي21"، السبت "بالأمس كان بوتفليقة رئيسا شرفيا للحزب الحاكم، واليوم أصبح رئيسا فعليا وغدا لا ندرى ما سيكون".
ويجزم عبد الرزاق مقري، رئيس"حركة مجتمع السلم" الإسلامية المعارضة بالجزائر، أن تولي الرئيس بوتفليقة رئاسة حزب جبهة التحرير الوطني، ينبئ أن "هناك مرحلة يتم الإعداد لها في الكواليس بعيدا عن أنظار الجزائريين".
وقال مقري خلال لقاء مع كوادر الحركة الأحد،"إن إدخال الرئيس بوتفليقة في شؤون جبهة التحرير هو تحضير لمرحلة يخفيها أصحاب القرار عن مؤسسات الدولة والمواطنين".
لكن الإعلامي الجزائري، حميد غمراسة، لا يزكي هذا الطرح، وقال في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الأحد "لا أظن أن هناك تغييرا يحضر في حالة التجمع الوطني الديمقراطي، فالسلطة كانت بحاجة إلى متحدث باسمها للرد على المعارضة، وخوض معارك على صعيد الخارج، فمع المغرب مثلا، كان هناك فراغ في هذا الجانب ولابد من سده".
ويتابع غمراسة " أما ما تعلق بحزب جبهة التحرير الوطني، فليس هناك تغيير. بل تكريس للاستمرارية، فسعداني معروف بأنه محسوب على جماعة الرئيس بوتفليقة".