نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول
النساء المنتميات للتيار السلفي في
تونس، والخلفيات الاجتماعية والثقافية لهؤلاء النسوة، ومواقفهن الدينية والسياسية، وأوضاعهن في تونس ما بعد الثورة.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 التي أدت لهروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فتحت الباب أمام تغييرات جذرية في المجتمع التونسي، الذي كان يعاني من سياسة الرأي الواحد والتضييق والرقابة طيلة عقود من الزمن.
وأضافت الصحيفة في هذا التقرير الذي أعدته روث غروسريشار، أستاذة اللغة العربية والحضارة العربية الإسلامية في كلية العلوم السياسية في باريس، أن الإسلاميين الذين كانوا منقسمين بين المنفى والسجون، عادوا إلى النشاط من جديد، واستفادوا من الزخم الثوري وارتفاع منسوب الحرية بعد سنوات الاستبداد والقمع، ليعودوا إلى النشاط السياسي والاجتماعي من جديد، في بلد يقطع أولى خطواته نحو الديمقراطية.
وأشارت إلى أن التيارات الدينية في تونس انقسمت حول عدة مواقف، فقد قرر إسلاميو حركة النهضة التونسية الانخراط في المسار السياسي وخوض اللعبة الديمقراطية للوصول للحكم، وفضل آخرون منتمون للتيار السلفي التمسك "بأفكارهم الدينية التقليدية"، ومقاطعة العمل الحزبي والسياسي، والاكتفاء بالنشاط الدعوي والجمعيات الخيرية، لنشر فكرهم داخل الأحياء الشعبية، بينما قرر شباب آخرون الانضمام للتيار الأكثر تشددا، وهو تيار
السلفية الجهادية، الذي يتبنى العنف كسبيل لفرض أفكاره، ويدعو للالتحاق بالتنظيمات المسلحة في سوريا والعراق، ولا يتوانى عن حمل السلاح ضد الدولة التونسية. وكانت آخر العمليات التي شنها المنتمون لهذا التيار، هجمات متحف باردو في العاصمة التونسية، في شهر آذار/ مارس الماضي، التي أودت بحياة 22 شخصا أغلبهم من السياح الأوروبيين.
وذكرت الصحيفة أن النساء السلفيات يعتبرن أن ارتداءهن
النقاب، الذي يغطي كامل الوجه، يمثل رمزا لإعادة إحياء الفكر الديني في المجتمع التونسي إثر الثورة، بعد أن كان ممنوعا قبلها، كما كان الحجاب أيضا ممنوعا في المؤسسات الإدارية والتعليمية.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة ملاحظات أنياس دي فيو، باحثة الاجتماع الفرنسية و مخرجة الأفلام الوثائقية، التي ظلت تبحث في ظاهرة انتماء النساء للتيارات المتشددة وارتداء النقاب منذ سنة 2004، في آسيا الشرقية وفرنسا وتونس.
وبحسب هذه الباحثة التي قابلت العديد من النساء السلفيات في تونس، وحاورت باحثين وسياسيين وصحفيين حول هذا الموضوع، فإن كل فرد في تونس يملك نظرته الخاصة حول هذه الظاهرة الدينية التي انتشرت بشكل لافت بعد الثورة، وأصبحت محل جدل واختلاف كبيرين، ولكن أغلب هذه الآراء تعكس الأحكام المسبقة التي يحملها الكثيرون حول نساء التيار السلفي، اللواتي يبقين غامضات بالنسبة للكثيرين.
ونقلت الصحيفة عن هذه الباحثة أن هؤلاء النسوة منفتحات على الحوار، ويتحدثن حول أفكارهن بكل أريحية، ويدافعن عن هويتهن بكل اعتزاز، وتتراوح أعمارهن في الغالب بين 16 و30 سنة، وأغلبهن منقطعات عن المحيط العائلي باختيارهن، كما أن أغلبهن أنهين الدراسة الجامعية، أو الثانوية على الأقل.
وأضافت أن المرأة السلفية في تونس تعتز بهذه التسمية التي تشير إلى "السلف"، وترى أن البلدان الإسلامية المعاصرة ابتعدت عن المنهج الديني الصحيح الذي ميز العصور الذهبية للإسلام، في عهد النبي محمد عليه السلام وصحابته، ولذلك تسعى هذه المرأة للسير على خطى نساء النبي.
ولكن الصحيفة أشارت إلى أن أي انتقاد يوجه لخيارات هؤلاء النسوة، يواجه بالاتهام بالمس في المقدسات، والاعتداء على حرياتهن الشخصية. كما أن أغلبهن يعتبرن أن تنظيم الدولة في سوريا والعراق يمثل نموذجا يحتذي به، ويجسد الدولة الفاضلة التي يحلمن بها. وهنّ يبنين مواقفهن هذه في أغلب الحالات على المعلومات التي يحصلن عليها من الكتيبات الصغيرة التي توزع عليهن، ومن المواقع السلفية على شبكة الإنترنت.
وأشارت إلى أن هؤلاء النسوة يتعرضن للتهميش من الأوساط الاجتماعية الاستهلاكية المتأثرة بالقيم الغربية، التي تحاول تصنيف المرأة التونسية حسب نمط اللباس، رغم أن هذه الأوساط النخبوية ذاتها تدعي الدفاع عن المرأة وعن الحريات الفردية.
كما أكدت هذه الباحثة أن النساء اللاتي يرتدين النقاب يقمن بذلك بناء على اختيار شخصي في أغلب الحالات، وهنّ لا يرفضن المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي المقابل فإن النساء اللواتي يتعرضن للقمع والتضييق داخل الوسط العائلي، لا يرتدين النقاب أصلا لأنهن لا يخرجن من المنزل.