يعتقد بعض قصيري النظر والمرتزقة من المحللين أن الربيع العربي «خلاص مات ولا أحد صلى عليه»، وأصحاب هذا الرأي عادة ما يكونون من أنصار السلطة، وممن يخشون على مصالحهم من الزوال في ظل الأنظمة الديموقراطية الشفافة.
وليتهم بعد ذلك يكرموننا بسكوتهم، ولكن المصيبة أنهم يترحمون على الأنظمة الديكتاتورية البائدة وكأنها كانت العصور الذهبية للدول العربية، فيترحمون على صدام حسين، والقذافي، وعلي صالح وأيام بشار الأسد، وفي المقابل يشمتون ويسخرون من الشعوب العربية الثائرة والمطالبة بحقوقها وكأنها جاءت بكفر، ونسوا أن المنطق البسيط يقول إن الضغط يولد الانفجار.
ولا أدري ما الحكمة التي يتمتع بها المترحمون على الديكتاتوريات، أو ما هذه العبقريات التي توصلت إلى هذه القاعدة الذهبية، وهي «دعه يحكم ولو... عليك».
وحتى لا أظلم هذه الفئة فإنها في الواقع فئتان الأولى ساذجة، وتعتقد أنها لو بقيت على بؤسها السابق لكان أرحم، والفئة الثانية وهي التي تخلق هذا الاعتقاد والشعور لدى الفئة الأولى والواقع أن هذه الفئة هي فلول الأنظمة الساقطة وأبواقه.
أما الترحم والتباكي على الأنظمة الشيطانية والاستبدادية البائدة، فمثله مثل الترحم على الشيطان، والعياذ بالله، وللعلم فإن ما نعيشه اليوم من دمار وتشتت وحروب كله بسبب الأنظمة الديكتاتورية البائدة التي يترحمون عليها، وذلك لأنها السبب في قتل كل مظاهر الدولة والثقافة الإنسانية في دولها، بعدما حولتها إلى ملكية خاصة تفعل بها ما تشاء دون حسيب أو رقيب، ومن الطبيعي أن تنتهي الأمور إلى ما نشاهده اليوم، فما تركه هؤلاء خلفهم أشباه دول وليست دولا، وخلفوا ركاما من المؤسسات المدنية، ومجتمعا مشوها ذهنيا لا يستطيع التفكير بطريقة طبيعية، ومن المنطقي جدا وبعد خلع الأنظمة الديكتاتورية أن ينكشف المستور ويبين حجم الدمار الذي خلفته هذه الأنظمة المستبدة، ومن الطبيعي أن تخلف هذه الديكتاتوريات فراغاً سياسياً هائلاً تجد فيه المنظمات الإرهابية، والعصابات، والدول العدوة، والدول الصديقة فرصة ذهبية لا تعوض سانحة لاستغلاله، الأمر الذي يجعل عملية الإصلاح الشعبية عملية عسيرة وليس لها نهاية.
وعموما أقول للمترحمين على الأنظمة الاستبدادية كلمة واجعلوها حلقة في آذانكم، لو لم يأت الربيع العربي اليوم لجاء غداً، وإذا لم يأت غداً فسيأتي بعد غد، ودوام الحال من المستحيل والمحال، والجمود علامة الموت، والتغيير من سنن الحياة، وفي كل الأحوال الظروف التي يعيش فيها الإنسان العربي تحرك الجبال وليس الشعوب، ومن الطبيعي أن تناضل الشعوب من أجل حقوقها وخوفا على مكتسباتها ومستقبلها الذي أضاعته هذه الديكتاتوريات في الحروب وشراء الذمم والولاءات.
ويجب ألا نقلب المعادلة والمنطق، ونتهم الشعوب المطالبة بحقوقها بأنها السبب في ضياع العصر الذهبي للديكتاتوريات وسبب ما نحن فيه، بل يجب أن نضع الأمور في نصابها وهي أن الديكتاتوريات البائدة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم.