رغم مرور 67 عاما على حرب عام
1948، فإن تفاصيلها ما زالت حاضرة في عقول من عايشوها، ومن عاشوا بعدهم، ليثبتوا جميعا أن الذاكرة
الفلسطينية ما زالت تنبض بالحياة.
ويؤكد فلسطينيون في قطاع غزة، التقتهم "
عربي21" أن ذكرى
النكبة هي الأشد ألما، لأنها تجدد فيهم جروح الأجداد بشهاداتهم على "فظاعة" ما ارتكبته
العصابات الصهيونية، رغم معايشتهم تفاصيل ثلاث حروب في القطاع خلال السنوات الست الماضية.
الحاج سعيد البيومي (86 عاما) يجلس كعادته بين أحفاده، يقص عليهم بعض حكايات النكبة التي كان شاهدا عليها في مدينته
أسدود، ويفتخر ببسالة شباب المدينة في مقاومة المحتل الإسرائيلي في تلك الحقبة التاريخية.
واستذكر البيومي اللحظات الأولى لإعلان الانسحاب البريطاني من الأراضي الفلسطينية، والبدء بتنفيذ قرار التقسيم في أواخر عام 1948، قائلا: "منذ ذلك الحين؛ بدأت عمليات الطرد للسكان الفلسطينيين في المدن المركزية؛ يافا، واللد، والرملة، وحيفا.. وغيرها".
وأضاف لـ"
عربي21" أن مدينة أسدود، التي تقع على ساحل البحر المتوسط، وتبعد 42 كيلومترا عن القطاع، استقبلت أكثر من 14 ألف مهاجر من يافا وقراها، مشيرا إلى أن "شبابها المناضلين كانوا يهبون لنجدة أي قرية تستغيث بهم لدرء خطر العصابات الصهيونية عنها".
ويصمت الحاج البيومي برهة، ويقلب دفات ذاكرته المزدحمة بالأحداث، ويتذكر أنه قام ببيع أكثر من 30 رأسا من الماشية، لشراء بندقية ذات خمس طلقات، بلغ ثمنها 33 جنيها فلسطينيا، ليدافع بها عن أهله.
وأوضح أن المناضلين كانوا يتصدون هجمات العصابات اليهودية على قراهم بما يتوفر لديهم من أسلحة نارية أو بيضاء، مؤكدا أن روحهم الدفاعية، وحبهم لوطنهم، مكّناهم من صد بعض هجمات تلك العصابات.
وأكد أن الوضع "بدأ يسوء بمجرد وصول القوات المصرية، حيث هجمت قوات
الاحتلال علينا وفق خدعة محكمة"، مبينا أن العصابات الصهيونية "التفّت عليهم من جهة الغرب، وقتلت كل من وجدته أمامها، أما الجيش المصري فلم يرد حينها وفقا لأوامر عليا"، على حد قوله.
وبيّن أن القوات المصرية "بدأت بالتحرك بعد ازدياد حدة القتل، لكنها وقعت في فخ اليهود"، مشيرا إلى أن العصابات الصهيونية حاصرت مدينة أسدود من جهاتها الأربع، واندلعت المعركة، وأبلى فيها شباب القرية والمصريون بلاء حسنا، وتمكن الشباب من أسر جنود صهاينة خلال معركة مستعمرة "نيتسليم"، التي أصبحت بعد انسحاب الجيش البريطاني منها حصنا للصهاينة اليهود.
وأضاف أن المعركة أدت إلى "مقتل ما يزيد عن 100 صهيوني في أسدود"، مؤكدا أن الفلسطينيين "أصيبوا بخيبة كبيرة؛ حينما تم الإعلان عن انسحاب الجيش المصري، وبدأ وقتها السكان بالجلاء من أسدود باتجاه المناطق الأكثر أمنا".
وقال البيومي إن قوات الاحتلال "كانت تحكم إغلاق المدن التي تهاجمها من ثلاث جهات، وتبقي على جهة واحدة لفرار أهلها دونما عودة"، لافتا إلى أن "كافة المدن التي احتلت؛ كان سبب احتلالها قوة السلاح والقتل الإسرائيلي، بالإضافة إلى التخاذل العربي، وخصوصا عقب الإعلان عن هدنة مع الاحتلال في 19 تموز/ يوليو 1948".