تزامنا مع مؤتمر "
كامب ديفيد"، المنعقد اليوم الأربعاء في العاصمة الأمريكية
واشنطن، نشرت جريدة "لوموند" تقريرا تحلل من خلاله أبعاد العلاقات الخليجية الأمريكية، وترصد فيه عوامل ساهمت في تواجد جو من "عدم الثقة" بين الطرفين.
واختارت الجريدة تلخيص تحديات العلاقات الخليجية- الأمريكية في مقولة لهيلاري كلينتون، تحدثت فيها عن صعوبة اتخاذ أمريكا قرارات حازمة في علاقاتها مع الصين نظرا لكونها أكبر دائنيها، وهو ما ينطبق على العلاقات الخليجية الأمريكية، حيث يتجلى التحدي عند
دول الخليج في كون الولايات المتحد بمثابة "الحامي" لمصالح هذه الدول، ما يجعل من الصعب عليها "اتخاذ مواقف حازمة" في ما يخص هذه العلاقات.
هذه التحديات جعلت الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يختار "المراوغة" حسب نفس التقرير، وذلك من خلال عدم الحضور في المؤتمر.
وحسب ذات المصدر، فإن الأهمية التي أولاها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدعوة ست دول خليجية، (المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، قطر وعمان)، أسابيع قليلة بعد الإعلان عن توافق إطار بين الدول الكبرى وإيران شهر نيسان/أبريل الماضي، ترجع إلى كونه "يعلم جيدا أن هذا المسار الديبلوماسي مع إيران يقلق هذه الدول"، خصوصا وأنه يتزامن مع تقوية الحضور الإيراني في الدول "الضعيفة أو المفلسة"، كما هو الحال بالنسبة لكل من لبنان والعراق، وسوريا.
هذا التأثير الإيراني الذي تراه دول مجلس التعاون الخليجي حاضرا في اليمن كذلك، هو الذي دفع المملكة العربية السعودية إلى شن الهجمات على المليشيات الحوثية التي وصلت إلى السلطة في صنعاء، حسب ما أكدت "لوموند".
كل هذه العوامل خلقت جوا من عدم الثقة عند الرئيس الأمريكي، تورد الجريدة، وذلك بالنظر إلى التخوف من تغير التحالفات في يوم من الأيام، وهو ما عززته مجموعة من القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، انطلاقا من التخلي عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك في بداية الربيع العربي سنة 2011، والتخلي عن التدخل في سوريا سنة 2013، على الرغم من تجاوز نظام بشار الأسد "الخط الأحمر" باستعمال الأسلحة الكيماوية، وهو ما انضاف إلى "خيبة الأمل الكبيرة" للدول الخليجية شهر آب اغسطس/غشت سنة 2014، والمتمثلة في التحالف العسكري الذي تنفرد بإدارته ضد تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، والذي ما يزال لحد الساعة يضع مصير الأسد في زاوية مظلمة.
إلى جانب ذلك، عززت تصريحات باراك أوباما لجريدة "نيويورك تايمز" جو عدم الثقة هذا، -يورد نفس التقرير-، وهي التصريحات التي قال فيها الرئيس الأمريكي إن المخاطر الكبرى التي تواجه حلفاءه من الدول العربية ليست نابعة من إيران، بل من "تنامي جو عدم الرضا داخل بلدانهم"، هذا إلى جانب تأكيده على أن التعاون ضد الإرهاب الذي يجمع بلاده مع هذه الدول "لا يجب أن يكون بمثابة مبرر لأي شكل من أشكال القمع".
تبعا لذلك، خلص ذات التقرير إلى أن عدم حضور الملك السعودي إلى القمة، والتي كان من المزمع أن تعرف لقاء خاصا يجمعه بالرئيس الأمريكي، تم قراءته على أنه إشارة من المملكة على "عدم الرضا"، كما يمكن أن يكون إشارة لـ"المزاج السيء"، على الرغم من إنكار الأمريكيين والسعوديين لذلك، حسب ما أوردته "لوموند"؛ موضحة أن هذه الخطوة لم تكن سهلة الفهم خصوصا وأن العاهل السعودي استقبل قبل أيام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الرياض.
يأتي كل هذا بعد الاستقبال الذي خصت به الدول الخليجية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والذي بدا "حازما أكثر"، في ما يتعلق بالملف السوري والإيراني، في ما ينضاف الغياب السعودي عن القمة الأمريكية إلى غياب السلطان قابوس بسبب المرض، وغياب أمير أبو ظبي، وغياب ملك البحرين، حسب ما أكدت "لوموند".
وتابع نفس المصدر مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية حاولت استبعاد فكرة عدم رضا دول الخليج المرتبط بكون أمريكا تخصص عددا من أسلحتها المتطورة، كطائرات الـ"F35" لحلفائها إسرائيل والأتراك، حيث صرح مستشار الرئيس الأمريكي بين رود، يوم الإثنين بأن دعم بلاده لدول الخليج في ما يتعلق بالتسلح، سيعرف توسعا سيتجاوز به مجال الأسلحة التقليدية، مذكرا في نفس الوقت أن التهديدات التي تواجه البلدان تتضمن كذلك الحروب الإلكترونية، كتلك التي سبق وأن استهدفت السعودية سنة 2012.
علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية نهجت اختيارا جيدا بالاهتمام بقواتها (تصل إلى 35 ألف جندي) ومنظومتها الدفاعية المستقرة في المنطقة، في وقت أشار أوباما في أحد تصريحاته إلى أن "أمريكا ستكون حاضرة في مواجهة أي اعتداء خارجي على حلفائها"، في محاولة منه لطمأنتهم.
وعلى الرغم من غياب أربعة حكام عن القمة الخليجية الأمريكية، إلا أن "لومند" أكدت في تقريرها أن هذا الاجتماع سيعرف حضور حكام لهم وزنهم في المنطقة، هم: أمير قطر، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، وولي العهد السعودي محمد بن نايف، الذي يترأس الوفد السعودي الذي تم تعزيزه بـ"الرجل القوي الجديد في السعودية" ولي ولي العهد محمد بن سلمان.
وفي وقت صرح فيه مستشار الرئيس الأمريكي بأن قمة "كامب ديفيد" ستمكن من "تقريب" المصالح بين الطرفين، خلصت الجريدة في تقريرها إلى أنه وفي ظل عدم وجود بديل للقوة العسكرية الأمريكية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لن تجد أمامها خيارات بديلة، وقد تجد نفسها مضطرة إلى قبول اقتراحات الإدارة الأمريكية.