أثبت الإسلاميون ورغم كل ماجرى لهم ورغم أخطاءهم أيضا أنهم أكثر احتراما والتزاما بمبادئ وآليات
الديمقراطية على مدى أربعة سنوات من الربيع العربي المنكوب، والذي حولته أنظمة المنطقة الفرعونية العميقة إلى خريف دامي، وحتى قبل انطلاق شرارة هذا الربيع العربي كان الإسلاميون في مصر وتونس، والأردن والكويت والمغرب، وفلسطين ممن خاضوا غمار الديمقراطية فعليا هم أكثر رصانة وانفتاحا على الآخر المعارض، والأكثر قدرة على الاحتواء واحتضان المخالفين.
وقد أكد الكاتب والمفكر الإستراتيجي الأمريكي الشهير على هذا المعني تقريبا العام الماضي حينما قال "لقد أثبت الإسلاميون أنهم أكثر ديمقراطية ورحمة وعدلا من خصومهم العلمانيين والليبراليين ، وأثبتوا أنهم متحضرون بشكل كبير.
العلمانيون والليبراليون في بلادنا لا يحترمون إلا الديمقراطية التي تأتي بهم، فاخترعوا ديمقراطية على المقاس دخيلة على المفهوم الأصلي للمصطلح لخدمة مصالحهم الشخصية، وتفضح التناقض والازدواجية الواضحة في ما يعلنونه، وما يمارسونه على أرض الواقع من تدليس وكذب على الجماهير باستخدام مقولات وعبارات ومصطلحات تدغدغ المشاعر في ظاهرها، لكنها تزيف الوعي الجمعي في باطنها.
أوهمنا هؤلاء العلمانيون وروجوا لأكاذيب بأن الديمقراطية توافقية وتشاركية ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم تتعارف عليها ديمقراطيات غربية أو شمالية كانت أو جنوبية، لكنها شرقية أوسطية عربية المنشأ وغير قابلة للتصدير لأنها بضاعة فاسدة مسمومة تزيف العقول وتشوه الذاكرة السوية.
الديمقراطية في كل بلاد الدنيا هي
حكم الأغلبية بالارادة الشعبية التي جاءت عبر الصناديق، فمن جاء بالصناديق الحرة الشفافة المباشرة النزيهة يحكم بمقتضاها بما تحدده آليات الدستور والقانون المتفق عليه شعبيا، وعليه فلا حديث عن توافق أو تشارك اللهم إلا إذا أراد ذلك الحزب الفائز بالأغلبية، فالحرية الكاملة متروكة له إن أراد الاستحواذ على الأغلبية والمناصب أوالمقاعد حسب الكتلة التصويتية التي حصل عليها، أو أن يتشارك مع غيره في الحكم.
في أعتى الديمقراطيات الغربية الحزب الفائز بالانتخابات والحائز على ثقة الناخبين يشكل الحكومة، دون أن يجرؤ أحد من خصومه السياسيين على ضرورة المشاركة لا المغالبة التي لا توجد سوى في قاموس التيارات العلمانية الخاسرة لأى استحقاق ديمقراطي فقط، فالدستور الأمريكي ينص صراحة ودون أى مواربة على أن الرئيس لا يعين غير من حزبه، ومن حقه تعيين الآلاف من جماعته الحزبية في مناصب حساسة، وكذلك في بقية دساتير وديمقراطيات العالم الحر.
الديمقراطية كما يفهمها أراجوزات العلمانية والليبرالية واليسارية والقومية (إلا من رحم ربك من بعض الأقلية ) هي اقصاء الآخر تماماً، والاجهاز عليه بالضربة القاضية إذا حاز على الأغلبية، أما إذا حصل خصومهم
الاسلاميون تحديداً على الأغلبية، فنسمع كلاماً آخر عن الديمقراطية التشاركية التوافقية والتحذير من الهيمنة والاستحواذ والأخونة، وما إلى ذلك من مصطلحات تسميم الذاكرة وتزييف الحقائق، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم التي تأتي بأمثال هؤلاء الإسلاميين كما قال الإعلامي العلماني عمرو أديب، وأنهم على استعداد أي العلمانيين على حد قوله (يجيبوا عليها واطيها) بالمعني المصري الدارج أو يهدموا المعبد على من فيه في حالة عودة الاسلاميين للحكم مرة أخري.
المسألة بنظر هذه الجوقة العلمانية الليبرالية؛ هي معركة وجودية باختصار، إما هم وإما الإسلاميين، وإن شئت فقل الإسلام الحركي الشامل، وما عدا ذلك فلا قيمة له حتى لو كان الوطن هو الخاسر، وحتى لو تعاونوا مع العسكر الذين هتفوا يوما ما بسقوطهم، فكلها تكتيكات خادعة لكسب الوقت وتضليل الرأى العام متفق عليها مسبقا، حيث المصلحة واحدة في اقصاء الإسلام من على الأرض، لتسير قافلة الفساد وشبكة المصالح عبر التزاوج بين السلطة والثروة، وعاشت مصر والبلدان العربية عسكرية علمانية رغم أنف التيارات الإسلامية!!.