نظم فرع
تونس للمنتدى العالمي للوسطية، يومي السبت والأحد الماضيين، في تونس العاصمة، مؤتمره الدولي السنوي تحت عنوان "دور
الوسطية في مواجهة
الإرهاب وتحقيق السلم العالمي".
وقد تطرق المؤتمر عبر محاضرات ألقاها مشاركون من ثماني دول عربية إلى ثلاثة محاور أساسية، وهي الإطار المفاهيمي لظاهرة الإرهاب، والمراجعات والمقاربات المتعلقة بهذا الملف، بالإضافة إلى بعض التجارب السابقة في مقاومة هذه الآفة الاجتماعية.
التخطيط الخاطئ لمقاومة القاعدة صنع تنظيم الدولة
وقد ابتدأ رئيس المنتدى العالمي للوسطية، الصادق المهدي، كلمته بالإشارة إلى أن ظواهر الغلو ليست جديدة في العالم الإسلامي، باعتبار أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلهم "غلاة التكفير والتدمير" وفق تعبيره.
ورأى المهدي أن الإرهاب الذي تشهده الدول العربية والإسلامية اليوم هو طور جديد من الإرهاب الذي مارسته الشعوب فيما بينها ومارسته الأنظمة المتسلطة، مذكرا بأن تنظيم القاعدة، الذي نشأ في حضن الحرب الباردة، حظي بدعم غربي في التمويل والتدريب ساهمت فيه حكومات من بلاد المسلمين.
وأوضح المهدي أن التخطيط الخاطئ لمحاربة القاعدة مكنها، منذ بداية هذا القرن حتى الآن، من بناء شبكة تنطلق من أجندة تكفيرية بصورة لا مركزية، وتحت عناوين مختلفة، وأن القاعدة اليوم تخوض حربا ضد النظام الدولي القائم دون أن تقدم بديلا.
كما عبر رئيس المنتدى العالمي للوسطية عن اعتقاده بأن تنظيم الدولة نشأ في حضن القاعدة، لكنها استمدت مُبرّرات وجودها من شعارات تهميش أهل السنة، خاصة في العراق وسوريا، كما أن طريقة هيكلتها مثلت تطورا جديدا في سياق هذه التنظيمات المتطرفة، من خلال الاستغناء عن مفهوم الدولة الوطنية واستحضار تصور الخلافة، الذي يتخطى الحدود الجغرافية، ويستبدل بالنظام الدولي دارين: دار إسلام ودار كفر.
القضاء على الإرهاب يمر عبر الثورة التعليمية
من جهته، قال الدكتور عبد المجيد النجار إن الأسباب التي عادة ما يلتجئ إليها الدارسون والباحثون لتفسير نشوء ظاهرة الإرهاب، كالحديث عن الفقر والحيف الاقتصادي أو الاستبداد السياسي والثقافي أو غياب العدل في النظام الدولي، هي أسباب حقيقية، ولكنها ثانوية.
ورأى النجار أن السبب الرئيسي الذي تتفاعل معه الأسباب الثانوية هو حقيقة نشوء "قابلية للإرهاب" لدى الشباب، وأن معالجة الظاهرة تمر ضرورة عبر درس ومعالجة هذه القابلية.
وفي سياق تحليله لمسببات هذه القابلية، قال النجار إنها تعود إلى خلل كبير في التربية الدينية، سواء من حيث المحتوى كما وكيفا، أو من حيث المنهجية.
وأوضح النجار أن ضحالة محتوى البرامج التعليمية في كمه، أو ارتكازه فقط على العبادات والغيبيات، دفعت الشباب للبحث خارج الأطر الرسمية من أجل التعرف على دينهم، فوقعوا فريسة النهل من مصادر غير سليمة، على حد تعبيره، ما كوّن لديهم تصورا معوجا للدين.
وانتهى النجار إلى أن البرامج التعليمية يجب أن توازي بين مسارات العلم بالدين والتفقه في الدين، وأنه من الضروري تربية العقول التي ستكون محضنة للمعارف، على حد وصفه، مشيرا إلى أنه يستحيل القضاء على الإرهاب ما لم تحدث ثورة تعليمية كما ومنهجا.
المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي
وفي حديثه عن تجربة الجزائر المريرة مع الإرهاب، قال، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية السابق، أبو جرة سلطاني، إن بعض الدارسين للظاهرة الإرهابية ينطلقون من منطلقات خاطئة من خلال اعتقادهم، أولا، بأن الإرهاب ذو لون إسلامي، وثانيا بأنه يمكن أن يُقاوم أمنيا، في حين أن الظاهرة عقدية بالأساس، على حد تعبيره.
وشدد سلطاني على أنه من المهم التفطن إلى أن الإرهابيين ليسوا على خط واحد أو فكر واحد، إذ يمكن تقسيمهم إلى مستويات كثيرة، ففيهم من يكفر المجتمع جملة، وفيهم من يكفر رجال الدين المتعاونين مع السلطة المحلية، وفيهم من يهتم فقط بمن "مُكّنت أيديهم من رقاب المسلمين"، في إشارة إلى الشركات العابرة للقارات، التي يعُدّونها استعمارا، وغيرها من المستويات.
وفي تشخيصه لسيكولوجية المتطرف الإرهابي، أوضح الوزير الجزائري السابق أن هؤلاء المنتمين إلى هذه التنظيمات الإرهابية مروا بعمليات "إعدام شعورية"، تجعلهم يعيشون في عزلة فكرية وذهنية عن المجتمع، ما يؤهلهم ليصبحوا أوعية قابلة للملء بالأفكار الهدامة، وهو ما يجعل من عملية المعالجة تمر ضرورة عبر تفريغ أذهانهم مما هم فيه، وإعادة برمجتهم فكريا.
وقسم السلطاني المتورطين في التنظيمات الإرهابية إلى ثلاثة أصناف، حيث تحدث عمن "لم تنعقد عقيدة الإرهاب في قلوبهم بعد"، والذين إذا حاججتهم اهتزت قناعاتهم المتطرفة، وقال إن "هؤلاء لا ينفع معهم إلا الحوار، وقتلهم خطأ في حق الأمة، بل قتلهم قد يضيف لهؤلاء عناصر جديدة، خاصة من ذويهم" حسب تقديره.
كما تحدث عن "صنف المراجعاتية"، وهم الذين يراجعون أنفسهم، وقال إن أغلبهم يرجعون عما مضوا فيه بعد برهة من الزمن. أما الصنف المتبقي فهم "قلة ممن عقدوا العزم على رفع السلاح أو القتل، ولا يمكن معالجتهم الا بالقتل" على حد تعبيره.