تباينت الآراء بخصوص اعتذار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عن المشاركة في قمة "كامب ديفيد"، وتكليف ولي عهده محمد بن نايف بالمشاركة نيابة عنه، رفقة زعماء دول الخليج العربي مع الرئيس الأمريكي باراك
أوباما.
وقال مسؤولون عرب لـ"نيويورك تايمز" إن غياب
الملك سلمان يشكل مؤشرا على خيبة أمل
السعودية إزاء ما يمكن للبيت الأبيض أن يقترحه من تطمينات أمريكية ضد
إيران.
وترى صحيفة "نيويورك تايمز"، أن المملكة السعودية مستاءة من إدارة أوباما حول علاقتها مع إيران، وعللت ذلك بعدم استجابة أمريكا لوزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا الجمعة الماضية، مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وطالبوا بمعاهدة دفاعية تلتزم أمريكا بموجبها بالدفاع عنهم في حال تعرضهم لهجوم خارجي.
غير أن الإدارة الأمريكية لم تستجب، معتبرة أنه أمر صعب، حسب المصدر ذاته، لأن التوصل إلى مثل تلك المعاهدة - على غرار المعاهدة الدفاعية بين
الولايات المتحدة واليابان - تتطلب مصادقة الكونغرس.
والواقع، تضيف "نيويورك تايمز" أن الرئيس أوباما، حسب مصادر في إدارته، مستعد لاقتراح "بيان رئاسي"، غير أن مثل هذا البيان لن يكون ملزما للإدارة الأمريكية مثل المعاهدة، كما أن الرؤساء المقبلين قد لا يعتبرون أنفسهم ملزمين به.
من جهة أخرى، يقول مسؤولون وخبراء أمريكيون إن الدول العربية ما تزال تشعر بالغضب، إزاء الملاحظات التي أدلى بها الرئيس أوباما في سياق مقابلته مع توماس فريدمان في جريدة "نيويورك تايمز"، وجاء فيها أن على الحلفاء مثل السعودية أن يشعروا بالقلق من التهديدات الداخلية لوجود "فئات من المجتمع تشعر بالنفور، وشبان عاطلون عن العمل، وأيديولوجيا مدمرة وعدمية، وفي حالات معينة الشعور بأنه لا توجد وسائل سياسية مشروعة للتعبير عن الاحتجاج والتذمر".
وقال نائب رئيس "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية"، جون إلترمان، في تصريح للجريدة الأمريكية ذاتها، إن غياب الملك سلمان تعبير عن ازدراء وبَركة في الوقت نفسه، مضيفا أن الملك سلمان يرسل إشارة واضحة بغيابه عن أشغال قمة "كامب ديفد"، بأن لديه أمورا أهم من الحضور إلى البيت الأبيض والاجتماع مع الرئيس الأمريكي.
كما يرى إلترمان حسب المصدر ذاته، أنه سيكون للمسؤولين الأمريكيين فرصة جيدة للتعرف على الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، الذي لم تتح لهم فرصة الالتقاء به إلا نادرا.
وكان الناطق بلسان البيت الأبيض، إريك شولتز، قد أعلن يوم الجمعة الماضي أن الملك سلمان سيزور واشنطن "لاستئناف المشاورات حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والثنائية".
لكن وكالة الأنباء السعودية أعلنت أمس الأحد أن الملك سلمان سيوفد ولي العهد الأمير وزير الداخلية محمد بن نايف، وولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. وقالت الوكالة إن القمة تتزامن مع بدء هدنة إنسانية مدتها خمسة أيام في اليمن، وافتتاح مركز للإغاثة الإنسانية يحمل اسم العاهل السعودي.
ورغم أن الملك سلمان أعرب خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأسبوع الماضي، عن تطلعه إلى الاجتماع شخصيا مع الرئيس أوباما، حسب ما أفاده مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية في تصريح لـ"نيويورك تايمز".
إلا أنه فور إعلان البيت الأبيض مساء الجمعة عن اجتماع بين الرئيس أوباما والملك في واشنطن، اتصل وزير الخارجية السعودي ليبلغ الإدارة الأمريكية قرار الملك بعدم التوجه للولايات المتحدة.
ولم يرد "أي تعبير عن خيبة أمل" من السعوديين في تواصلهم مع الأمريكيين، حسب المصدر ذاته، وقال المسؤول الأمريكي المذكور: "إذا أراد أحد أن يعبّر عن موقف ازدراء، فإنه يفيدك بذلك بصورة أو بأخرى".
واعتبر مسؤولون خليجيون تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص الوضع اليمني، سيئة التوقيت حسب ما أفاده خبراء في السياسية الخارجية لـ"نيويورك تايمز"، في وقت كان يفترض على الإدارة الأمريكية تقديم تطمينات لدول الخليج بخصوص أزمة المنطقة، وتأكيد أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبها.
وعزت الصحيفة الأمريكية إعراض الملك السعودي عن زيارة البيت الأبيض، إلى سعي الولايات المتحدة إلى الحفاظ على التفوق العسكري لفائدة الكيان الصهيوني، وتحفظها على أنواع الأسلحة التي يمكن للشركات الأمريكية أن تبيعها للدول العربية، في ما يمثل محاولة لصيانة تفوق إسرائيل إزاء خصومها التقليديين في المنطقة.
وذلك هو السبب، مثلا، في أن الإدارة لم تسمح لشركة "لوكهيد مارتين" ببيع مقاتلة "إف?-35" التي تعتبر "جوهرة" الترسانة الأمريكية للمستقبل للخليجيين. وتملك تلك الطائرة، -وهي الأغلى في العالم-، قدرات "اختفاء"، وقد وافقت الإدارة على بيعها للكيان الإسرائيلي.
وعلاوة على غياب الملك سلمان، فسيتغيب عن قمة "كامب ديفيد" مسؤولون آخرون من مجلس التعاون الخليج، حيث يتوقع أن يتغيب رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لأسباب صحية، وكذا السلطان قابوس بن سعيد لنفس الأسباب.
وقد امتنع سفير دولة الإمارات، يوسف العتيبة، أثناء مؤتمر شارك فيه بواشنطن يوم الخميس الماضي عن إعلان ما تريده بلاده من واشنطن قائلا: "آخر ما يمكن أن أقوله هو "هذا ما نطلبه"، فذلك لن يكون الطريقة المناسبة، الطريقة المناسبة هي أن نأتي ونتفق على تجديد المشاكل القائمة، ثم نتفق على كيفية العمل معا لتأمين حاجاتنا".
ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبير الشؤون الإيرانية في "معهد كارنيغي للسلام الدولي"، كريم ساجد بور"، قوله إن قرار الملك سلمان لا يعني أن السعوديين يديرون ظهورهم للولايات المتحدة، فهم لا يملكون أية خيارات أخرى، وقال: "أيا كان استياء السعودية، فليس لديهم خيار شراكة استراتيجية بديلة مع موسكو أو بكين".
ولكنه أضاف أن "هنالك تصور يتنامى في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة والسعودية صديقان وليسا حليفين، في حين أن الولايات المتحدة وإيران حليفان وليسا صديقين".