قال نائب مدير الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل موريل، إن الولايات المتحدة أساءت تقدير قوة تنظيم
القاعدة وأثر أسامة بن لادن، مبينا أن التنظيمات المتطرفة هي المستفيد الأول من
الربيع العربي.
ويقول موريل في مقتطفات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" من كتابه، الذي سيصدر لاحقا هذا الشهر، إنه على الرغم من فشل الولايات المتحدة في التكهن باندلاع الثورات العربية، التي أطاحت بحلفاء للحكومة الأمريكية في المنطقة، إلا أن "
سي آي إيه" فاقمت من الفشل، من خلال تقديم تقييمات متفائلة حول نهاية تنظيم القاعدة، وأن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية ستكون كارثية على التنظيم.
وكتب موريل قائلا: "لقد فكرنا وأخبرنا صناع السياسة أن اندلاع ثورة شعبية سيضر بتنظيم القاعدة، وستضعف رواية الجماعة. ولكن الربيع العربي كان هبة للجماعات الإسلامية المتطرفة في كل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وأضاف أنه "من منظور مكافحة الإرهاب فإن الربيع العربي قد تحول إلى شتاء".
وترى الصحيفة أن اعتراف موريل يعبر عن أكثر التقييمات القاتمة لأداء المخابرات الأمريكية خلال الفترة المضطربة، خاصة أنه جاء من مسؤول كان على رأس القيادة في الوكالة في ذلك الوقت.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أنه بعد أربعة أعوام من احتجاجات الشوارع التي بدأت في تونس وأشعلت الربيع العربي، حقق تنظيم القاعدة ونظراؤه مكاسب، وسيطر على مناطق وقوة في بلدان مثل مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن. وقال المسؤولون الأمريكيون مؤخرا إنهم يتوقعون استمرار النزاعات التي يستغلها المتطرفون لعقد أو أكثر.
وتبين الصحيفة أن "سي آي إيه" رفضت التعليق على النقد الوارد لها في كتاب موريل، ولكن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن تطور الأحداث المتسارع أدى دورا لصالح تنظيم القاعدة؛ لأن الحركات السياسية التي تسلمت الحكم بعد الربيع العربي فشلت في إدارته، ما فتح المجال أمام عودة الجماعات المتطرفة.
ويلفت التقرير إلى أن موريل يقدم في كتابه تجربته في "سي آي إيه"، التي امتدت على مدار ثلاثة عقود، لكنه يركز بالتحديد على مكافحة الإرهاب والقصور السياسي الذي رافق ذلك.
وتذكر الصحيفة أن كتاب موريل يحمل عنوان "الحرب العظمي في زمننا"، ويدافع موريل فيه عن استخدام "سي آي إيه" لأساليب التعذيب بحق المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية. ويقدم في هذا السياق نقدا حادا للتحقيق الذي قامت به لجنة الاستخبارات في الكونغرس، والذي جرى على مدار سنوات، وصدرت نتائجه العام الماضي. ولم يعثر تحقيق اللجنة على أدلة تظهر أن استخدام أساليب الإيهام بالغرق والتعذيب قد نتجت عنه معلومات أمنية مهمة.
ويؤكد موريل دفاعه عن رد إدارة باراك أوباما على الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأمريكية في بنغازي، وقتل فيه السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز. وقال موريل إن "سي آي إيه" تعاملت مع تصاعد العنف في ليبيا بجدية، حتى إنه سافر قبل عام من الحادث إلى طرابلس، وحث الحكومة الليبية على اتخاذ إجراءات مناسبة لحشد القوات ضد الجماعات الإسلامية.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الكتاب يتحدث عن الغارة على مخبأ أسامة بن لادن في آبوت أباد عام 2011، وعلى التسريبات التي سربها المتعهد الأمني السابق إدوارد سنودين.
وتوضح الصحيفة أن الكتاب يحتوي اعتذارا لوزير الخارجية السابق كولن باول، بسبب التقييم الخاطئ الذي قدم له حول أسلحة العراق للدمار الشامل، واتهم نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني بممارسة الضغط على محللي "سي آي إيه" للعثور على صلة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة، التي لم تكن موجودة.
ويجد التقرير أن أهم فصل من فصول الكتاب هو عودة تنظيم القاعدة بعد وفاة بن لادن، التي تأمل المسؤولون الأمريكيون في أن تكون الضربة القاضية للتنظيم.
وتكشف الصحيفة عن أن موريل لا يفرق بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، فالأخير وإن ركز على العراق وسوريا، إلا أن موريل يرى أنه لا فرق بينهما. وكتب موريل: "لقد أعلن تنظيم الدولة نيته لضربنا تماما كما فعل بن لادن".
ويعتقد موريل أن فشل المؤسسات الأمنية الأمريكية بالتكهن باندلاع الثورات العربية نابع من اعتماد المخابرات الأمريكية على مخابرات دول الشرق الأوسط، ويقول: "كنا متراخين في فتح نافذتنا الخاصة لمعرفة ما يجري. فالقيادة التي كنا نعتمد عليها كانت معزولة، ولم تكن واعية بالموجة العارمة التي كانت ستضرب الشاطئ". ومع سقوط هذه الحكومات فقد ضعفت قدرتها على احتواء الجماعات التي تستلهم أفكارها من تنظيم القاعدة، بحسب الصحيفة.
وينوه التقرير إلى أن موريل قدم تحليلا للربيع العربي في فصل يكشف عن فشل الإدارة الأمريكية في التأثير على نتائج الربيع العربي في مصر وبقية الدول من خلال القنوات السرية. ويقول موريل إنه أصبح صلة الوصل بين الإدارة الأمريكية ومسؤول المخابرات المصرية في عهد
مبارك، الجنرال عمر سليمان.
وبحسب الصحيفة، فإن موريل يقول إن الاتصالات بدأت بشكل جدي عندما اتصل به مدير سابق للوكالة، وألمح إلى أن سليمان يرغب بالحصول على توجيهات من الولايات المتحدة. ورفض موريل الكشف عن المسؤول أو رجل الأعمال، الذي بدأ بتمرير الرسائل بينه وبين عمر سليمان.
ويتناول التقرير أن المخابرات الأمريكية توصلت لاعتقاد هو أن سليمان كان يحاول الحصول على توجيهات من الأمريكيين، من أجل النجاة من الثورة والوصول إلى الحكم عبر القنوات السرية، دون معرفة رئيسه حسني مبارك.
ويقول موريل إنه استخدم الترتيبات السرية لنقل رسالة إلى سليمان يطلب فيها حث مبارك على إلقاء خطاب يعرب فيه عن استعداده لنقل السلطة إلى مجلس انتقالي حلا للأزمة. وكتب الرسالة مستشار البيت الأبيض دينس ماكدو، وصادق عليها كبار مسؤولي الإدارة. وكتب موريل: "لاحقا أخبرني رجل الاتصال عبر الهاتف بأن سليمان لم يتلق الرسالة فحسب، بل إنه أقنع مبارك بتبني النقاط أيضا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن مبارك في خطابه في الأول من شباط/ فبراير 2011، كان يسير في اتجاه مختلف. فبدلا من التخلي عن السلطة حاول التمسك بها، وبعد عشرة أيام أجبر على التنحي، حيث أعلن سليمان القرار بعد ضغط من الجيش، كما وأجبر سليمان نفسه على الخروج من السلطة، وتوفي عام 2012.