تفاجأ الرأي العام السعودي والعربي مساء الأربعاء 22 أبريل/ نيسان بالإعلان الرسمي من الرياض حول نهاية عملية «
عاصفة الحزم»، بعد شهر واحد فقط من انطلاقها، وبدء ما سمي بعملية «إعادة الأمل».
ما فهم خلال الساعات القليلة التالية للإعلان السعودي أن ثمة صفقة تم التوصل إليها، ذكرت مصادر غير معرفة بأنها تستند إلى وساطة عمانية أو مقترحات تركية، وأن كلاً من روسيا وإيران تعهدتا بالتزام عبد الله صالح والحوثيين ببنود الصفقة.
ونشر، استناداً إلى المصادر ذاتها، أيضاً، أن الصفقة تضمنت مغادرة الرئيس السابق عبد الله صالح وأفراد أسرته
اليمن؛ وانسحاب الحوثيين والقوات التي تساندهم من قطاعات الجيش الموالية لصالح من المدن اليمنية، وتسليم الحوثيين السلاح الذي نهبوه من معسكرات الجيش اليمني، والإقرار بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، على أن يستأنف الحوار اليمني السياسي تحت إشراف الأخير وحكومته. ما فاجأ عموم السعوديين والعرب، أولاً، أن بيان توقف «عاصفة الحزم» لم يواكبه تغيير جوهري على أرض المعركة؛ وأن الإعلان الرسمي السعودي حول المرحلة التالية أكتنفه الكثير من الغموض. في الجانب الآخر من المعركة، حيث أوساط الحوثيين والمعسكر الإيراني المؤيد، اندلعت حالة من الابتهاج والاحتفال بما وصف بـنهاية «العدوان الخارجي على اليمن وشعبه».
بيد أن احتفال الحوثيين وحلفائهم كان مبكراً بعض الشيء، كما يبدو. نحن نعرف اليوم، بعد مرور أكثر من أسبوع على توقف «عاصفة الحزم» أن شيئاً كبيراً أو ملموساً في ساحة الحرب لم يتغير. لم تزل جماعات المقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس الشرعي تخوض المعارك ضد جماعات الحوثيين والقوات الموالية لصالح. ولم تزل طائرات
السعودية وحلفائها تغير على مواقع الحوثيين وقوات صالح، وإن تغيرت طبيعة عملها من الهجمات على أهداف استراتيجية إلى الأهداف التكتيكية المتعلقة بالمواجهات الدائرة على الأرض والقوات المتحركة.
مصادر مقربة من الرئيس السابق أكدت أن لا صالح ولا أفراد أسرته بصدد مغادرة اليمن واللجوء إلى الخارج. ولم يصدر عن الحوثيين أو المتحدثين باسمهم أية إشارة تفيد بموافقتهم على قرار مجلس الأمن الدولي 2216 المتعلق باليمن، والذي قيل إنه الأساس الذي ارتكزت إليه صفقة الاتفاق. ومنذ مساء 24 نيسان/ إبريل، انتهت المهلة التي تضمنها القرار الدولي، قبل أن تبدأ محاولات نقل الحرب من مظلة الشرعية اليمنية، إلى مظلة الأمم المتحدة.
لم تعد الحرب في اليمن مجرد حرب داخلية للسيطرة على الحكم والبلاد؛ بل إنها لم تكن كذلك منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما بدأ الحوثيون توسعهم باتجاه صنعاء وإطاحة الرئيس هادي وحكومته.
القول بأن الحوثيين ولدوا من رحم إيراني هو بالطبع قول غير صحيح؛ ولكن ما أن اتضحت توجهات الحوثيين الدينية ورغبتهم في بناء روابط وثيقة مع إيران حتى أصبحوا جزءاً من استراتيجية التوسع الإيرانية. ويصعب تصور تحول الحوثيين من قوة محلية إلى التحالف مع عبد الله صالح، وإلى مشروع سيطرة على اليمن، بدون دعم إيراني مالي وسياسي.
والحقيقة، أن الدعم الإيراني العسكري للحوثيين بدأ من سنوات، والأدلة على هذا الدعم يصعب إنكارها أو تجاهلها. ولكن لا قوة الحوثيين البشرية، ولا الدعم الزيدي المحدود لهم، أهلاهم للمضي في مشروع السيطرة الكاملة. ما وفر لهم السند الضروي هو بالتأكيد الرئيس السابق وقطاعات الجيش المرتبطة به وأسرته، والتي تفوق نصف القوات المسلحة اليمنية، على الأقل، بما في ذلك الحرس الجمهوري، القوات الخاصة، سلاح الجو ووحدات الصواريخ. بهذا المعنى، انفجرت الأزمة اليمنية كمشروع ردة على الثورة اليمنية وعملية الانتقال الديمقراطي، ومشروع سيطرة طائفية مطلقة على الحكم والبلاد، بدعم كبير من الخارج.
وبمجرد انطلاق «عاصفة الحزم» تطورت الأزمة إلى معركة صراع إقليمي بين المشروع التوسعي الإيراني، في جهة، والمملكة العربية السعودية وحلفائها، من جهة أخرى؛ وهي في طريقها إلى التحول لأزمة دولية. ليس من الواضح ما إن كان مجلس الأمن يتجه إلى نوع من التوافق شبيه بذلك الذي أدى إلى صدور القرار 2216، سيما أن مثل هذا التوافق يتطلب استرضاء إضافياً للروس. والأرجح أن توافقاً جديداً سيوفر للعملية العسكرية في اليمن، التي تقوم بها السعودية وحلفاؤها، غطاءً دولياً لم تكن تتمتع به عندما بدأت.
مهما كان المسار السياسي والدبلوماسي للحرب، فالواضح أن شهراً من القصف الجوي والمقاومة الشعبية اليمنية قد صنع متغيرات ملموسة. ما شاع منذ بدء الحرب أن القصف الجوي لن يؤدي إلى نتيجة ما، ولن يغير موازين القوى على الأرض. وهذا بالتأكيد ليس صحيحاً، ولا علاقة له بطبيعة الحروب الحديثة. لا يحسم القصف الجوي الحروب، ولكن في حال استناده إلى معلومات استخباراتية وعملياتية دقيقة، يمثل أداة بالغة الضراوة للحرب.
أوقعت المرحلة الأولى من القصف الجوي دماراً واسعاً بقوات صالح ونقاط الحشد والارتكاز للحوثيين؛ ويترك دخول الحرب إلى مرحلتها الثانية وما باتت القوة الجوية تقدمه من دعم للعمليات على الأرض، أثراً ملموساً على أداء المقاومة الشعبية وقوات الجيش الموالية للحكومة الشرعية. ولكن المهم في النهاية أن هذه معركة طويلة ومعقدة، أطول وأعقد مما ظن كثيرون، ربما بما في ذلك السعودية التي اتخذت قرار الحرب. لا تتطلب هذه الحرب صبراً ونفساً طويلاً وحسب، ولكنها تتطلب أيضاً جهوداً متعددة الأوجه، إضافة إلى العملية الجوية.
تتطلب الحرب تجهيزاً أفضل للمقاومة الشعبية والقوات الموالية، بما في ذلك المقاومة التي تشكلت وفي طريقها للتشكل في المدن الرئيسية، مثل عدن وتعز ومأرب وصنعاء والحديدة، وقوات القبائل المسلحة. اليمنيون هم بالطبع شعب مسلح أصلاً، ولكن هذه مواجهة تفوق القدرات التسليحية التقليدية لليمنيين. ولا ينبغي الإصغاء للأمريكيين الذين يخشون وقوع السلاح في يد جماعات القاعدة وأخواتها. هذه الحرب لا يجب أن يحسمها، ولن يحسمها، سوى اليمنيين أنفسهم، وعلى السعودية وحلفائها تجنب التورط برياً، ليس فقط لأن دخول قوات غير يمنية أرض المعركة هو أمر محفوف بالمخاطر، ولكن أيضاً لأن الشعب اليمني هو وحده المسؤول عن المآل النهائي لهذه المعركة. وإلى جانب المساعدات العسكرية، لابد من العمل على تنظيم قيادة يمنية مركزية للمقاومة الشعبية وقوات الجيش الموالية. وهذه أيضاً مسؤولية الحكم اليمني الشرعي، سيما رئيس الحكومة ونائب الرئيس. بدون وجود قيادة مركزية، ستتحول المواجهة على الأرض إلى جبهات معزولة عن بعضها البعض، لا تحكمها استراتيجية واحدة، ولا تستطيع الواحدة منها مساندة الأخرى، أو الإسهام في بناء توازن جديد للقوة في عموم البلاد.
بيد أن الأزمة اليمنية، في النهاية، لن تحل بإبادة الحوثيين أو القوات الموالية لصالح. هؤلاء يمنيون وجزء من الشعب اليمني، وسيبقون كذلك، حتى بعد أن تورطوا في مشروع لا ناقة لليمنيين فيه ولا جمل، ودفعوا البلاد إلى حافة الحرب الأهلية. الهدف الاستراتيجي للحرب لابد أن يكون إيقاع هزيمة لا جدل فيها بالحوثيين وصالح، وضع حد لمشروع السيطرة الذي تعهدوه، ورسم خط في الرمال أمام التدخل الإيراني في اليمن. بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، يجب أن يعود اليمنيون، بلا هيمنة طرف على آخر، أو إرهاب طرف لآخر، إلى طاولة الحوار، للاتفاق على مستقبل توافقي لوطنهم، يحقق الاستقرار ويفتح المجال لبناء دول حرة وعادلة.