وُصفت سلسلة الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، بشكل مفاجئ، فجر الأربعاء، بأنها "كالعاصفة" في تأثيرها، لما أحدثته من تغييرات سريعة وقوية وجذرية، تم بمقتضاها ترسيخ أقدام الجيل الثاني و"السديريين" من نسل الملك عبدالعزيز في هرم السلطة بالمملكة.
وانقسم خبراء سياسيون عرب حول دوافع هذه القرارات إلى فريقين؛ ففريق منهم رأى أنها تأتي في سياق صراع داخل أجنحة الأسرة الحاكمة في
السعودية، والثاني ذهب إلى أنها منطقية في ضوء التغييرات الإقليمية، وسعى المملكة لإعادة إحياء دورها الإقليمي، بجانب تقديم رسالة للغرب على أنها حليف مستقر.
ممثلو الفريق الأول رأوا أن هذه التغييرات ستزيد حالة الصراع داخل الأسرة الحاكمة في المستقبل، لاسيما بعد تعزيزها لموقع فرع السديرية، نسبة إلى الأميرة حصة السديري زوجة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، التي ينتمي لها
الملك سلمان، في ترتيب الحكم، وأن الأوامر الملكية الصادرة تسببت في شرخ لا يمكن رأب صدعه بسهولة.
لكن ممثلي الفريق الثاني توقعوا مثل هذه القرارات استنادا لأبعاد أخرى، كان أبرزها دراسة اتجاهات الملك سلمان، التي في مقدمتها السعي لبدء مرحلة جديدة داخل الأسرة الحاكمة تعيد دور المملكة الريادي في المنطقة والعالم، وهو ما دعمه قراره بعد وصوله للحكم بقيادة عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن.
وأوضح هذا الفريق أن هذه القرارات شجعتها نتائج "عاصفة الحزم"، كما أنها لها بعد آخر، لا يمكن فصله عن البعد الأول، وهو رؤية الملك لتفادي ما وصفوه بانتقادات ومخاوف غربية من "شيخوخة القيادة" في المملكة، وقدرتها على القيام حلفا قويا يمارس دوره في مختلف القضايا الدولية والإقليمية.
خلافات عائلية
شملان العيسى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، والكاتب بجريدة "الوطن" الكويتية"، قال إنه "لا يمكن النظر لهذه الأوامر فقط باعتبارها تحركا سعودي لتمكين الشباب في استلام القيادة، لكن يجب أخذ الخلافات التي تدور داخل الأسرة الحاكمة في الاعتبار، كذلك رغبة الملك سلمان في اختيار فريقه الذي يعمل معه".
ومضى العيسى قائلا: "العاهل السعودي له رؤية واضحة تقوم على اعتبارات الصراع داخل الأسرة الحاكمة، فهو يسعى لإنهاء ما فعله سلفه الملك عبد الله عندما استبعد الذين ينتمون للسديريين من الحكم، ويرغب في إعادة السديريين للحكم، وهو ما سيتم مواجهته من قبل جناح آخر داخل الأسرة الحاكمة، لكن الفيصل في الأمر هو قدرة القيادة السعودية على إحداث تغيير في النهج".
وفسّر المحلل السياسي مقصدة من التغيير في النهج، بقوله: "يحتاج الملك سلمان وفريقه لإحداث تغيير في النهج القديم الذي كان يتبعه سلفه، فيشعر من في الداخل والخارج بوجود قيادة شبابية قادرة على الانفتاح على القضايا الخارجية، وهو ما بدا فعليا بعاصفة الحزم، لكن استمراره ضروري حتى يستطيع مواجهة الصراع الداخلي".
واتفق رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن جواد الحمد، مع العيسى فيما ذهب إليه، قائلا إن "هذه الأوامر جزء من عملية التغيير في المملكة وإعادة التوازن في الحكم داخل العائلة، من خلال إعطاء فرع أسرته أحقيتهم في المناصب بعد عقود طويلة من منع ذلك"، في إشارة إلى فترة حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز (1 آب/ أغسطس 2005 - 23 كانون الثاني/ يناير 2015).
لكن الحمد اختلف مع العيسى بشأن استمرار الصراع داخل الأسرة الحاكمة، موضحا: "العاهل السعودي مطمئن لبنية النظام الداخلي، وبالتالي اتخذ تلك القرارات، صحيح سيتوجب عليه بذل جهد إضافي للتأكد من عدم حدوث مفاجآت، لكن في النهاية الأمور تسير بشكل مطمئن".
تعديل الدور الإقليمي
ولم يستبعد الحمد أن يكون أحد الدوافع الأخرى لمثل هذه القرارات، وإن كانت أقل من سبقتها، هو "مساعي المملكة لتعديل دورها في الإطار العربي والإسلامي واستعادة ريادتها، مستشهدا بتجربة اليمن، وقيادة تحالف عاصفة الحزم"، التي رأى أنها "شجعت المملكة لاتخاذ هذا المسلك الذي لم يتوقعه أحد".
على الجهة المقابلة، قال أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية ومقره الرياض، "إذا أردنا أن نقرأ هذه القرارات بشكل صحيح، فنريد أن نوضح أن لكل مرحلة رجالها، والرياض تسعى للدخول في مرحلة جديدة بعد عاصفة الحزم، لاسيما بعدما استطاعت أن تثبت أنها دولة تحافظ على الشرعية ومكتسباتها".
وأضاف عشقي: "العاهل السعودي أراد أن يحدث تغييرا كبيرا يتفق مع مقتضيات المرحلة من خلال إحداث بعض التغييرات، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الإداري، إلى جانب تغيير واضح في قيادة البلاد".
هذه الرؤية ذهب إليها سامي نادر، المحلل السياسي اللبناني، والخبير الاستراتيجي في مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية ببيروت، إذ قال إن "الأوامر الملكية الأربعاء، تأتي في إطار مساع الرياض لإعادة إحياء دورها الإقليمي وإضفاء العنصر الشبابي بها، لاسيما في ظل وجود انتقادات لها ومخاوف من شيخوخة القيادة، وتأثيراتها على دينامية الحركة في قضايا المنطقة".
نادر الذي يتابع ما يصدر عن مراكز الأبحاث الغربية، أوضح: "لا شك أيضا أن تلك الأوامر جرى بناؤها على خلفية دينامية عاصفة الحزم، التي أعادت الصدارة إلى الرياض ولدورها الريادي على مستوى المنطقة، فهي من جهة تستثمر نتائج عاصفة الحزم، ومن جهة أخرى ترسل رسائل طمأنة للحلفاء بأنها حليف مستقر".
ولم يرغب أي من عشقي أو نادر في التطرق إلى ما يتم تداوله عن وجود صراعات أو استقطاب داخل الأسرة الحاكمة، لكنهما أشارا إلى أن "أي خلاف داخل الأسرة الحاكمة لن يكون محركا للقيادة السعودية في هذا التوقيت، بل سيكون هناك دوافع أخرى أكثر أهمية".
وكان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أصدر فجر الأربعاء، 25 أمرا ملكيا، أعفى بموجبها الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد بناء على طلبه، وعين بدلا منه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ليكون الأخير أول حفيد من أحفاد الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، يتولى هذا المنصب، فيما تم تعيين الأمير
محمد بن سلمان وليا لولي العهد، مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.