من المتوقع أن تتشكل خلال الأشهر القليلة القادمة قوة عربية مشتركة، فما الدور المتوقع الذي تؤديه هذه القوات على الأراضي السورية؟ و ما التطورات التي ستقود إليها في المنطقة؟
كشفت صحيفة "فورين بوليسي" في وقت سابق النقاب عن دوافع إنشاء
القوة العربية المشتركة، فهي ليست فقط بسبب الأحداث في
اليمن، على الرغم من كون أحداث اليمن الدافع المباشر، بل لتشكيل اتحاد سني لمواجهة التعديات السياسية والعسكرية على العراق ولبنان وسورية، وللوقوف في وجه إيران التي باتت تسيطر على خمس عواصم في
الشرق الأوسط طهران ودمشق وبيروت وبغداد وآخرهم صنعاء، حيث ستوكل إلى القوة العربية المزمع تشكيلها مهام التدخل العسكري السريع ومواجهة الأخطار التي تهدد سيادة أي دولة من الدول الأعضاء فيها بما في ذلك التهديدات الإرهابية وذلك بناء على طلب الدولة المعنية.
فالقوة العربية حسب تأكيدات نبيل العربي هي من أجل الوقوف وقفة حازمة أمام التهديدات المتعددة الأبعاد حفاظا على الأمن القومي العربي.
و على رأس أولويات القوة العربية المشتركة، أن تكون القوة الضاربة للقرارات السياسية ولتحقيق التوازنات الإقليمية.
تصريحات جديرة بأن تدعو السوريين للتفاؤل لولا أنهم قد تعلموا درسا قاسيا من جامعة الدول العربية وقراراتها، التي لم تنصفهم يوما، ولو قرأنا الخطوط الأولية للأهداف التي تبذل الجهود لأجلها لما وجدنا فيها أي إشارة إلى تدخل هذه القوة في الصراع على الأراضي السورية، فهذه القوة حسب الخطوط العريضة التي أعلنت إلينا هي لحفظ سيادة الدول الأعضاء وهي القوة الضاربة للقرارات السياسية لأنظمة هذه الدول وحكامها، أي هي القوة الضاربة لقرارات الجامعة العربية، الجامعة العربية التي ما زالت تعلق عضوية
سوريا ولم تسلم مقعدها للمعارضة السورية، بذريعة أن تسليم مقعد سوريا يجب أن يتم بالإجماع!
جامعة الدول العربية التي وإن لم تناصر النظام السوري بطريقة علنية إلا إنها بكل تأكيد خذلت الشعب السوري ولم تتحرك لنصرته، أو اتخاذ أي موقف عملي يدعمه، جامعة الدول العربية هي جامعة للأنظمة العربية وليست جامعة للشعوب العربية و هذا واضح في ميثاقها الذي ينص صراحة في المادة 2 على أن الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشاركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقا للتعاون بينها و صيانة لاستقلالها و سيادتها و النظر بصفة عامة في شؤون البلاد و مصالحها.
وأما المادة 8 التي تضمنها ميثاق الجامعة فينص على أن تحترم كل الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقا من حقوق تلك الدولة، وتتعهد بألا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام.
بالنظر إلى هاتين المادتين فقط من ميثاق الجامعة العربية، لا يمكننا القول إلا أنها وبكل وضوح جامعة تهدف إلى حماية الأنظمة العربية، وكم الفارق كبير بين الأنظمة العربية والشعوب العربية.
إذن: فكيف نثق بتوظيف القوة العربية المشتركة من أجل خلاص السوريين والحفاظ على ما تبقى من سنة في سوريا؟
إن أي عمل عسكري على الأراضي السورية، حسب قوانين جامعة الدول العربية سيكون فيه خرق لميثاقها وتجاوز لقوانينها حسب المادتين 2 و8 إلا إذا تغير منظور الجامعة إلى الدولة السورية التي خار نظامها وانهارت بنيويا واقتصاديا فلم يبق من مؤسساتها ما يقوى على الصمود، وحل محل نظامها فوضى الاحتلال الإيراني الذي لا لبس فيه، فبات الصراع مع محتل بسقوطه تختفي وجوه قبيحة تمثل إجرام النظام، وصار تدخل القوة المشتركة شرعيا لإنقاذ ما تبقى من الشعب. أم أن جامعة الأنظمة العربية لها رأي آخر؟ وسوف تشكل آخر أمل لنظام الأسد من أجل البقاء وإن في الجزء الذي لم يدمره بعد.
لقد بدأت السعودية عاصفتها قبل اجتماع القمة لأنها تدرك أن الأرض العربية مهددة برمتها فلم تنتظر قرارا يتخذه مجموعة من الزعماء بعضهم يمثل أذرعة العدو الفارسي، وعندما توافق على قيادة جيش عربي فسيكون من خلال رؤيا تقفز فوق ميثاق الجامعة المتعفن لتدرأ الخطر الذي يهدد الأرض العربية وشعوبها. ومن ثم تكون قد أحالت الجامعة العربية المترهلة على التقاعد لتسمح بتجديد دماء القيادة العربية نحو مستقبل فيه للعرب مكانة.
وإن ما يدعم القوة العربية نجاح الجهود المبذولة من أجل الوصول إلى تفاهمات دولية –إقليمية بدأت تتضح معالمها على الساحة الدولية، وانتقلت تأثيرات هذه التفاهمات إلى الفصائل السياسية والعسكرية المعارضة، التي تتجه إلى مرحلة جديدة من العلاقات نأمل أن تتوج بتوحد كامل بين الجسم العسكري والجسم السياسي للمعارضة، لأن أي مسعى لدعم الفصائل العسكرية وتقويتها على الأراضي السورية سيقود بالضرورة إلى حكم عسكري في سوريا ما بعد الأسد ما لم يتوج بتحالف مع القوى السياسية، وهو ما سيعتبره أغلب السوريون انقلابا على الشرعية الثورية، التي خرجت من أزقة المدن ولم تخرج من داخل مراكز القوى الأمنية.
وقد بدأت تنعكس آثار التطورات الأخيرة في مسار العلاقات الدولية إيجابا على الأوضاع الميدانية داخل الأراضي السورية، حيث حقق الثوار تقدما ملحوظا في الجبهة الجنوبية وإدلب.
إن الآمال يمكن أن تعلق على القوة العربية المشتركة، في تحقيق طموحات الشعوب العربية يمكن إدراك ذلك من خلال قراءة القوانين الناظمة لهذه القوة وعلاقاتها وآلية حركتها وتكوينها، ولا يملك العرب إلا نصرتها ومساندتها إن كانوا يحرصون على البقاء.