تكاد تجمع الدراسات (التي لم يفكّر أحد في إنجازها بعد) أنّ هناك "سكيزوفرانيات" تونسية يصعب على علمي النفس والاجتماع دراستها وتحليلها وتقديم حلول ناجعة لها... فالتونسي هو شعب الله الوحيد تقريبا الذي ينهي وجبته في مطاعم الدول الغربية بكؤوس الخمر المعتّقة، بعد أن يكون قد أصرّ إصرارا على طلب "طعام حلال" ليأكله! وقد صادفت من هؤلاء التونسيين عددا لا بأس به في سفراتي المعدودات إلى الغرب "الكافر"...
وتونس أيضا هي أرض الله الوحيدة تقريبا التي تذهب فيها المحجّبات للرقص في النوادي الليلية والملاهي بحجابهنّ.. بالطبع، مادام الإسلام التونسي يسمح بذلك في إطار الاعتدال ونبذ التطرّف وروح الدين السمحة.
يفعل التونسي والتونسية ذلك دون شعور منهما أنّ سلوكهما ذو خلفية "سكيزوفرينية"... المهمّ لدى التونسي المحبّ للحياة أن يفعل ما يشاء، وهذا يعني أن يطوّع تعاليم الإسلام لخدمته لا أن يطوّع سلوكياته لتوافق تعاليم الإسلام! وفي هذا الإطار، شهدنا جميعنا كيف أقام الشعب التونسي "الذي بلغ درجة عالية من الوعي" الدنيا ولم يقعدها، جرّاء تصريحات المفكّر محمد الطالبي حول الخمر.. حرب على خمرة الطالبي الحلال في بلاد تنافس أعتى الديمقراطيات الكافرة في نسبة استهلاك الكحول!
أنا لا أعرف مضيفة الطيران التونسية التي تمّ إنزالها من الطائرة إثر تمسّكها بارتداء الحجاب لحظات قبل انطلاق رحلة جويّة.. لا أعرفها ولكنني أدعم حقها المشروع في تغطية رأسها، كما أدعم حق زميلاتها في تعريته، فالمؤكّد لديّ أن سلامة الركّاب وحسن سير الرحلة الجوية والعوامل المناخية خارج الطائرة، لن تتأثّر جميعها بما ترتديه مضيفة طيران.. اللهم إن كانت إحداهن تضع حول خصرها الجميل الموافق للمواصفات العالمية للجمال حزاما ناسفا!
وباعتباري محجّبة سابقة، أستطيع القول بأنني أتعاطف مع كلّ فتاة أو امرأة تتعرّض لموقف مشابه لما عاشته مضيّفة "تونيسار".. إنه لمن الإهانة أن يتمّ حرمان موظّف أو عامل من تأدية مهامّه بسبب قناعاته! ومضيّفة الطيران مقتنعة بأن عليها لبس الحجاب، فلم "اقتنعت" إدارة شركة الطيران بـ"قناعتها" قبل عام ونصف تقريبا وقبلت توظيفها كما تدّعي المتضرّرة؟؟؟!
المشكل الذي تطرحه قضية إنزال المضيّفة من الطائرة يبدو لي أعمق من مجرّد ارتداء حجاب من عدمه، وان كان هذا الأمر في حدّ ذاته مهمّا كونه متعلّقا بشركة طيران وطنية، يفترض فيها تطبيق القانون على جميع موظفيها وفقا للقانون الذي لا يجب أن يتعارض مع الدستور التونسي، الضامن لحق ممارسة الشعائر الدينية.
وهذه العبارة الأخيرة، تعيدني إلى مربط الفرس؛ ففي اعتقادي، أنّ كثيرا من التونسيين، أمثالي، طرحوا سؤالا مغايرا لـ"لماذا تمنع مضيفة محجبة من مزاولة عملها؟" عبر التساؤل "كيف تعمل محجّبة مضيّفة طيران؟". طبعا، ستنهال عليّ الآن شتائم بالجملة وسيذكّرني العديد بأن المحجّبات يعملن في التعليم والإدارات والطبّ والمحاماة والقضاء والهندسة والصحافة وعلوم الأرض وعلوم الفضاء، وهنّ نصف "نصف المجتمع" وهكذا دواليك.
وهذا أمر لا يمكن مجادلته، باعتبار أنّ المرأة امرأة وإن لبست حجابا (على طريقة العقيد القذّافي) والمحجّبة مواطنة وإن كانت مضيّفة طيران (على طريقة القذّافي دائما)، والمقصود أنّه من حق المرأة المحجّبة أن تعمل ما تشاء مادامت تملك الكفاءة اللازمة، وأنا على يقين بأن مضيفة الطيران العاملة بـ"تونيسار" على كفاءة عالية حالها حال سائر طاقم الشركة الذي يحوي للأسف بعض العناصر الذكورية والنسائية، التي يشعر لدى مرآها المسافر بأنها تهمس له في سرّها "فلتذهب إلى الجحيم!".
أقول إنّني لا أفهم معنى ارتداء الحجاب ثمّ تقديم الخمر للركّاب، فإن كان الأول فرضا جاء به الإسلام ووجب الالتزام به، فهل أنّ الثاني أمر أحلّه الإسلام أو أباحه حتّى؟؟ الغريب في الأمر، أن المسلمين لا يزالون حتى اليوم مختلفين حول تعاليم دينهم الذي يفترض أن يكون الله قد أكمله لهم منذ تحميل محمّد الرسالة، وهو بقدر ما هو اختلاف تنظيري، يتجلّى أكثر على مستوى السلوك في شبه انفصام شخصية يحتار له العاقل والمخبول...
أذكر حادثة طريفة وقعت في إحدى المدن السياحية التونسية، روتها لي صديقة ألمانية ذات صيف "كنت أتجوّل في المدينة ونحن في شهر رمضان، فلم أدخّن سيجارة واحدة طوال النهار، وكان برفقتي شابّ تونسي امتنع هو الآخر عن التدخين، فسألته: هل تصلّي الصلوات الخمس المفروضة عليكم في الإسلام؟ فأجابني: كلاّ. سكتّ برهة ثم سألته مجدّدا: هل تشرب الخمر؟ فردّ بنعم. فتساءلت في تعجّب: إذن لماذا تصوم؟؟!!". ولم يحر الشابّ المسكين جوابا.