يسير الطفل السوري علي (13 عاما) يوميا، بمحاذاة أطفال أتراك في الصباح الباكر، وبينما يحمل هؤلاء الأطفال حقائبا ملونة يتجهون فيها نحو المدرسة، يحمل هو عبوة صغيرة مملوءة بسائل منظف للزجاج وممسحة، سائرا إلى مدينة انطاكية الشمالي، ويقف عند إشارات المرور، منتظرا فترة اشتعال الضوء الأحمر، ليهرع على الفور إلى السيارات المتوفقة، محاولا إقناع أحد أصحاب السيارات بأن ينظف له زجاج سيارته، مقابل أجر بسيط قد يصل إلى نصف ليرة تركية فقط، دون أن يلتفت لنظرات بعضهم التي تزدريه.
وعلي هو أحد الأطفال السوريين الذين أجبرتهم ظروف ذويهم الاقتصادية المتردية، على البحث عن عمل يساهم في تأمين جزء ولو يسير من حاجات أسرته النازحة من الداخل السوري، إلى المدن التركية.
اعتاد علي أن يمر بمحاذاة المدارس دون أن يلتفت إليها، ولكن شيئا جديدا أثار انتباهه اليوم، فالمدارس كلها مزينة، وأصوات الأغاني تصدح من داخلها، فما كان منه إلا أن أمعن النظر قليلا ثم عاود مسيره مطرق الرأس دون أن يجد تفسيرا لما شاهد، ولكن ما استعصى على فهم الطفل علي، هو أن الأتراك يحتفلون في الـ 23 من نيسان /ابريل، من كل عام بعيد الطفل التركي، وتتضمن هذه الاحتفاليات توزيع هدايا على الأطفال، فضلا عن معارض فنية من عمل الأطفال تقام في المدارس.
ووفق تقرير حقوقي صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم "اليونيسيف" في آذار/ مارس من العام الحالي، فإن علي واحداً من 2.6 مليون طفل سوري من أطفال الداخل والخارج، لا يتلقون التعليم، وبحسب التقرير أيضاً فإن مدرسة واحدة قد تدمرت من بين كل خمس مدارس في الداخل، بينما خسرت البلاد نحو 20% من أعضاء الهيئة التدريسية.
وعلى مقربة من ماسح زجاج السيارات، يمضي الطفل السوري "عبد العزيز" يومه وهو يقوم بإيصال أكواب الشاي الساخنة، إلى زبائن القهوة التي يعمل بها منذ قدومه وعائلته إلى إقليم "هاتاي" التركي، يقول عبد العزيز لـ "عربي 21 " وهو في عجلة من أمره: "تركت المدرسة منذ نحو عامين عندما كنت في الصف الرابع، وأعمل حتى أساعد عائلتي، لم ألتحق بالمدرسة هنا، لأن الأطفال السوريين صار همهم أكبر من مواصلة التعليم"، على حد قوله.
و بالرغم من تأكيد رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، على أحقية جميع الأطفال في العيش بطريقة انسانية، خلال مشاركته في مهرجان طفولي في العاصمة أنقرة في وقت قريب سابق، إلا أن غالبية الأطفال السوريين المقيمين في الأراضي التركية لا يتمتعون بها.
ورغم انتشار المدارس السورية، في كل المدن التركية التي تشهد تجمعات للسوريين، إلا أن الكثير من الأطفال لم يلتحقوا بالمدارس، وفضّل أهاليهم الزج بهم في ميدان العمل، تماشياً مع الظروف الاقتصادية السيئة التي يعايشها النازح السوري، المتزامنة مع ارتفاع تكلفة المعيشة في
تركيا.
و بحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان، فإن تركيا تتربع على رأس الدول التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، حيث تستوعب الاراضي التركية حوالي مليون و900 ألف لاجئ، بينهم قرابة 450 ألف طفل، وما لا يقل عن 270 ألف امرأة، قرابة 62% منهم بدون أوراق ثبوتية.
و تؤكد الشبكة في تقريرها الصادر في شهر آذار/مارس الماضي، على أن الأطفال السوريين، في تركيا يحظون بظروف أفضل من أقرانهم في لبنان المصنف بحسب الشبكة بأنه البلد الأسوأ انسانياً من بين الدول التي تستضيف اللاجئين.