أعلنت
تركيا، مساء الأربعاء، أنها استدعت سفيرها لدى
النمسا للتشاور احتجاجا على وصف البرلمان النمساوي رمزيا ما جرى للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى بـ"الإبادة".
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إن "إعلان البرلمان النمساوي تسبب بندوب دائمة في علاقة الصداقة والروابط بين تركيا والنمسا (...). لقد قررت تركيا استدعاء سفيرها حسن غوغوس للتشاور".
وقبل يومين من إحياء الأرمن الذكرى المئوية الأولى، وقف أعضاء البرلمان النمساوي الأربعاء دقيقة صمت "إحياء لذكرى ضحايا
إبادة الأرمن"، في سابقة من نوعها في تاريخ هذا البلد الذي كان في ما مضى حليفا للسلطنة العثمانية، الذي لم يسبق أن استخدم رسميا هذا التعبير لوصف ما حدث.
وفي بيانها، أكدت الخارجية التركية رفضها الخطوة التي أقدم عليها النواب النمساويون، واصفة إياها بـ"المنحازة" و"التمييزية"، وبأنها تمثل "إهانة للشعب التركي تتناقض والوقائع".
وتحيي أرمينيا الذكرى المئوية لما تصفها بـ"الإبادة" في 24 نيسان/ أبريل الجاري، "وهو اليوم الذي جرى فيه عام 1915 اعتقال عدد من الأرمن ثم قتلهم لاحقا في إسطنبول"، وفق روايتها.
وترفض تركيا حتى الآن بأن ما حصل مجازر، مؤكدة أن الأرمن الذين قضوا في تلك الفترة سقطوا نتيجة للجوع أو في معارك وقفوا فيها مع روسيا عدوة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
يشار إلى أن فرنسا وإيطاليا وروسيا وصفت ما حدث بـ"الإبادة".
لكن تركيا تؤكد من جهتها أنها كانت حربا أهلية قتل فيها بين 300 و500 ألف أرميني ومثلهم من الأتراك.
وكان البابا فرنسيس استخدم في 12 الجاري كلمة "إبادة" لوصف ما تعرض له الأرمن، في سابقة ردت عليها تركيا بخطاب شديد اللهجة، وباستدعاء سفيرها لدى الكرسي الرسولي للتشاور، وسفير الفاتيكان لديها، لإبلاغه رسميا باحتجاجها.
موقف البرلمان الإسباني
في سياق متصل، فشلت محاولة قامت بها بعض الأحزاب الصغيرة في البرلمان الإسباني، التي تتزعمها جماعات قومية من إقليمي كاتالونيا والباسك، بخصوص نشر نص مكتوب يؤيد مزاعم الأرمن المتعلقة بأحداث العام 1915، على أنه بيان صادر عن المجلس، مع تلاوته في الجمعية العمومية له، والوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايا تلك الأحداث من الأرمن.
وكان لمبادرات السفارة التركية في مدريد، والحساسية المطلقة التي أظهرها أكبر حزبيين سياسيين في البلاد (حزب الشعب الحاكم وحزب العمال الاشتراكي زعيم المعرضة) دور في التصدي لمحاولة تلك الأحزاب التي تقدمت بطلبها صباح الأربعاء، دون الاكتراث بجدول أعمال المجلس.
ونتيجة لهذه المبادرات، تم عرض الطلب أمام لجنة العلاقات الخارجية في المجلس وليس في الجمعية العمومية، ونُزعت صفة "البيان المشترك" عن النص المكتوب، وتم اختصاره، وحُذفت منه عبارة "إبادة عرقية"، وتمت تلاوة النص في غرفة اللجنة قبل بدء جلستها اليومية.
وأُضيفت على النص عبارة أكدت على أن الوقوف دقيقة حداد "سيكون من أجل كل الأشخاص الذين لقوا حتفهم في تلك الفترة بما في ذلك الأرمن".
يشار إلى أن تركيا اقترحت على لسان حكومتها منذ مطلع الألفية الثالثة، تشكيل لجنة من المؤرخين الأتراك والأرمن، لتقوم بدراسة الأرشيف المتعلق بأحداث 1915، الموجود لدى تركيا وأرمينيا والدول الأخرى ذات العلاقة بالأحداث، لتعرض نتائجها بشكل حيادي على الرأي العام العالمي أو إلى أي مرجع معترف به من قبل الطرفين.
إلا أن الاقتراح قوبل برفض من يريفان التي تعد ادعاءات الإبادة قضية غير قابلة للنقاش بأي شكل من الأشكال. وتقول تركيا إن ماحدث في تلك الفترة هو "تهجير احترازي" ضمن أراضي الدولة العثمانية بسبب عمالة بعض العصابات الأرمنية للجيش الروسي.
البيت الأبيض يتجنب وصف "الإبادة"
وكانت تركيا تتخوف من إمكانية قيام الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بـاستخدام مصطلح "الإبادة"، لكن تصريحات مسؤولين أمريكيين أشارت إلى أن هذا الأمر لن يحصل.
وعبر القادة الأتراك، الأربعاء، عن ارتياحهم لتجنب الولايات المتحدة استخدام كلمة "إبادة" لوصف الأحداث في غالم 1915.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة: "لا أريد أن أسمع أوباما يقول شيئا كهذا. أنا لا أتوقعه على أي حال، فموقف الولايات المتحدة واضح جدا بالنسبة لتركيا".
وأضاف: "تحدثنا عن هذه المسألة كثيرا (مع أوباما)، وقال إنه يجب ترك الأمر للمؤرخين، وليس للساسة".
ويقول الأرمن إن مليونا ونصف مليون شخص قتلوا بشكل منهجي بين عامي 1915 و1917، وخلال السنوات الأخيرة قبل سقوط السلطنة العثمانية، واعترفت نحو عشرين دولة بينها فرنسا وروسيا بما أسماه الأرمن "إبادة".
لكن تركيا لا توافق يريفان في تقديراتها، وتتحدث بدورها عن مقتل مئات الآلاف من الطرفين، وترى أن وصف الأحداث بـ"الإبادة" خط أحمر.
من جهته، قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو: "في ضوء خبرته رئيسا للولايات المتحدة، آمل ألا يقول السيد أوباما ما يزعج تركيا".
وأضاف داود أوغلو أنه تحدث إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هاتفيا، ودعاها إلى "اتخاذ المبادرة" وإقناع البرلمان الألماني بعدم اعتبار عمليات القتل "إبادة" خلال تصويت سيجرى في 24 نيسان/ إبريل الجاري.
وستحيي تركيا في 24 و25 نيسان/ أبريل الذكرى المئوية لمعركة غاليبولي خلال الحرب العالمية الأولى في مراسم ضخمة سيحضرها حوالي 20 قائدا من دول العالم.
وقال أردوغان إن أرمينيا ليست على جدول أعمال هذه الاحتفالات، بعدما اتهم الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان نظيره التركي بتحديد موعد مراسم غاليبولي عن عمد في 24 نيسان/ أبريل الجاري "لتحويل الأنظار عن الإبادة الجماعة التي ارتكبها الحكم العثماني"، على حد قوله.
وقال أردوغان عن الاحتفالات في يريفان: "سيتكلمون كثيرا ويهينون تركيا".
وتجنب كبير موظفي البيت الأبيض، دنيس ماكدونو، ومستشار السياسة الخارجية لأوباما بن رودس، الثلاثاء، استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، خلال لقاء وفد من الأرمن الأمريكيين في البيت الأبيض للتباحث حول "الذكرى المئوية الأولى للمجازر" لدى الأرمن.
يذكر أن الرئيس أوباما وعد خلال حملته الانتخابية للسباق الرئاسي في 2008، بأن يعترف بمزاعم الأرمن ويصف ما حصل بـ"الإبادة"، ولكنه حين أصبح رئيسا لم يف بوعده، ولم يأت على لسانه رئيسا يوما هذا اللفظ، ولا سيما في البيانات التي تصدر سنويا في أرمينيا، وفي المناسبات التي تحييها يريفان وأرمن الشتات في 24 نيسان/ أبريل من كل عام.
وفي 2014، وصف أوباما المجازر التي تعرض لها الأرمن بأنها "واحدة من أسوأ فظائع القرن العشرين".
في المقابل، يعترف الكونغرس الأمريكي بالإبادة الأرمنية منذ وقت طويل، وذلك بموجب قرارين أصدرهما مجلس النواب في 1975 و1984.
وفي العام 1981، وصف الرئيس الأمريكي في حينه رونالد ريغان المجازر الأرمينية بـ"الإبادة".