وصلت المواجهات المسلحة إلى محافظة
تعز (وسط
اليمن)، بين قوات من الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، مسنودة بـ"المقاومة الشعبية"، وبين مقاتلي حركة
الحوثي الانقلابية، التي تقاتل إلى جانبها قوات الجيش التابعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وكانت قوات الحوثي الانقلابية قد أرجأت معركتها في محافظة تعز، عقب اجتياحها مدينة صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي، وأوقفت تمددها في الشمال عند محافظة إب، التي تقع على الحدود الشمالية لمحافظة تعز، بعد سيطرتها عليها.
وبحسب مصادر مطلعة لـ
"عربي21"؛ فإن تأجيل معركة تعز؛ جاء استجابة لنصائح من طرف الرئيس
المخلوع صالح، أوضح فيها أن تعز عُرفت بـ"مدينة الثورات" التي قُرعت فيها أجراس ثورة شباط/ فبراير 2011، وشكلت مقاومة شعبية عصية ضد قوات الحرس الجمهوري التابع لصالح إبان تلك الثورة، بالإضافة إلى كونها تمثل المركز الرئيس للمذهب الشافعي (مذهب أهل السنة المقابل للمذهب الزيدي في اليمن، وهذا الأخير هو الجذر الذي تفرعت عنه حركة الحوثي المسلحة)، ما يفقد القوات الانقلابية؛ الحاضنة الشعبية في هذه المدينة.
وبعد حوالي شهر من اجتياح القوات الانقلابية مدن الجنوب في 19 آذار/ مارس الماضي، وبعد أيام قليلة من تفجيرها الوضع في أجزاء من محافظة مأرب؛ خرجت الأوضاع في محافظة تعز عن السيطرة، وظهر ذلك جليا في 16 من الشهر الجاري، بعد أن تشكلت جيوب مقاومة شعبية لمساندة كتيبة من اللواء 35 الواقع غرب المدينة، كانت أعلنت في وقت مبكر تأييدها لـ"شرعية" الرئيس هادي، وانتشرت في شوارع المدينة لحفظ الأمن؛ بعد تحركات مريبة شهدتها المدينة لمجاميع الحوثي وصالح المسلحة.
وجاءت التحركات الحوثية الأخيرة في تعز تحت فرض الأمر الواقع، بهدف استخدام المدينة معبرا آمنا للقوات الانقلابية صوب الجنوب، التي كانت قد عملت منذ أسابيع بكل جهد لتحقيق ذلك الهدف، وسط دعوات من أبناء عدن والجنوب إلى أهالي تعز بالتحرك لمنع أرتال التعزيزات العسكرية المتجهة عبر المحافظة نحوهم، حيث تقع تعز على بعد 160 كم شمالي محافظة عدن.
انفجار الأوضاع
وقال شهود عيان من تعز لـ
"عربي21" إن الأوضاع العسكرية انفجرت في المدينة، بعد تكرار مجاميع حوثية تنفيذ عمليات عسكرية استهدفت نقاط تفتيش مستحدثة تابعة لأفراد من اللواء 35 المؤيد للرئيس هادي، نجم عنها مقتل جندي على الأقل، وإصابة من أربعة إلى خمسة آخرين، مشيرين إلى أن تعزيزات اشتملت على أسلحة ومقاتلين، وصلت
الحوثيين وصالح من محافظة الحديدة والمخا الواقعتين تحت سيطرتهما، لفرض حصار مطبق على مقر اللواء في "المطار القديم" الواقع على بعد 30 - 40 كم غربي مركز المدينة.
وفي مقابل تلك التحركات؛ تشكلت جبهة مقاومة شعبية من المواطنين في معظم أحياء المدينة لمساندة اللواء 35، وانتشرت جنبا إلى جنب مع أفراده في شوارع المدينة لإعاقة تحركات المليشيات.
ويدعم مسلحي الحوثي أفراد من اللواء 22 (حرس جمهوري سابقا) الموالي لصالح، إلى جانب قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقا)، ومؤخرة اللواء 35 في معسكر خالد بمدينة المخاء غربي تعز، وهو اللواء الذي انشقت عنه الكتيبة المؤيدة لهادي، ومقرها المطار القديم.
ومنذ ثلاثة أيام؛ يسمع دوي أصوات المدافع والرشاشات والاشتباكات بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بشكل شبه متواصل طوال ساعات النهار، وأجزاء من ساعات الليل حتى الصباح. وتتركز الاشتباكات بشكل أكبر في المناطق الغربية من أطراف المدينة، وصولا إلى شوارع فرعية هامة بمنطقة وادي القاضي، وجبل جرة المطل على الوادي، ومنطقة المرور حتى منتصف شارع جمال، أكبر شوارع المدينة وشريانها الرئيس.
مدينة أشباح
وفي النهار؛ تتحول المدينة إلى أشبه بمدينة أشباح، إذ تكاد تخلو من حركة السكان والمركبات، مع أنها تعد الثانية من حيث الازدحام السكاني باليمن، حيث يقطنها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، مضافا إليها مؤخرا أعداد كبيرة من النازحين من صنعاء وإب وعدن.
وإلى جانب ذلك؛ ساهم انعدام المشتقات النفطية منذ الأسبوعين الأولين على اندلاع القتال المسلح بعدن، وانطفاء الكهرباء كليا عن المدينة منذ أسبوع تقريبا، في قتل الحركة بشكل شبه كلي، حيث توقفت المركبات عن العمل، وأصبح معظم الناس يقضون مشاويرهم سيرا على الأقدام عبر شوارع تم تقطيع معظمها - لا سيما الرئيسة - من قبل المقاومة الشعبية تارة، والقوات الانقلابية تارة أخرى، بينما يتراص الشباب والكهول والأطفال في طوابير طويلة أمام أصحاب المولدات الكهربائية التي حولت للعمل على الغاز، من أجل شحن هواتفهم النقالة لقاء مبالغ مالية.
ومع أن الضربات الجوية التي تنفذها قوى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية
السعودية، كانت قد دخلت مدينة تعز منذ أيامها الأولى، مستهدفة الدفاعات الجوية للمعسكرات والمواقع التابعة للانقلابيين، بما في ذلك مطار تعز الدولي (جنوب شرق المدينة)، إلا أن تلك الضربات الجوية تكثفت أكثر خلال اليومين الماضيين، مستهدفة مواقع تواجدهم الجديدة في المدينة، لخلخلة قوتهم ومساندة المقاومة وأفراد اللواء 35 المنضم للشرعية.
انتصارات المقاومة
واستهدفت الضربات الجوية، الجمعة الماضي، القصر الرئاسي (قصر الشعب) بوسط المدينة، كما أنها استهدفت المقاتلين والآليات المحاصرة للواء 35، فيما قال شهود عيان إنها وجهت قذائفها أيضا إلى مقر الأمن المركزي القريب من القصر، ومدافع ودفاعات جوية في جبل الأعروس المطل على المدينة.
وتحدثت المقاومة الشعبية، أمس السبت، عن انتصارات مهمة لها في المناطق التي تفرض فيها حضورا كبيرا غرب المدينة ووسطها، أسفر عنها مقتل اثنين من أفراد المقاومة الشعبية، في مقابل 10 من الانقلابيين الذين أُسر عدد لم يُعرف منهم.
وبدخول مدينة تعز في أتون
معارك مسلحة مع الحوثيين وقوات صالح الانقلابية؛ تثار أسئلة كثيرة بشأن المغزى من هذه "المعركة المؤجلة"، لا سيما أن ثمة من يحلو له التذكير هنا بخطاب سابق للرئيس المخلوع صالح، مطلع آذار/ مارس الماضي، وعد فيه بـ"زيارة قريبة لمدينة تعز".
ويقول أحد القيادات الوسطية للمقاومة الشعبية لـ
"عربي21"، رافضًا ذكر اسمه، إن "أبناء المدينة المثقفة والمسالمة، ليس لديهم أي خيار آخر سوى المقاومة، حيث أصبحوا مجبرين على الدفاع عن مدينتهم من المليشيات التي حضرت إليها من صعدة وصنعاء وذمار، وتتلقى دعما عسكريا وميدانيا وقتاليا من أفراد الجيش الموالي للرئيس المخلوع، الذي بات لا يفكر سوى بالانتقام من هذه المدينة التي انطلقت منها الثورة ضده، ووقفت لقواته ببسالة في السابق".