كتب طلعت رميح: كشف ما جرى من قتال ضار في
عدن فور مغادرة الرئيس هادي، دقة التقديرات السياسية والعسكرية والاستخبارية لدى قيادة
عاصفة الحزم والرئيس هادي، حين اتخذ قرار إجلاء الرئيس من عدن مبكرا.
وتكشف المعركة الجارية في داخل عدن الآن وحولها، أهمية تلك المحافظة ورمزيتها في الصراع، حتى باتت تظهر وكأنها جوهر الحرب الجارية، وأنها تقدم ملخصا لخطط الحرب والصراع السياسي لطرفي الصراع، ولملامح المعركة التالية، إذ كل الدلائل تشير إلى أن معركة عدن صارت النقطة المفصلية والحاسمة في الحرب والصراع الجاري في
اليمن، والحالة الكاشفة لطبيعية الاستراتيجيات المعتمدة من طرفي الصراع المحتدم.
لقد بدأ صالح والحوثيون المعركة حول عدن مبكرا، حين قصف الطيران الخاضع لهم مطار عدن والقصر الرئاسي. كانت حالة محمومة تستهدف اغتيال الرئيس هادي بأي ثمن، كما أن تطورات المعركة التي اندلعت عقب مغادرة الرئيس، أظهرت شدة إصرار
الحوثيين وأنصار صالح واستماتتهم في خوض معركة عدن بعد مغادرته، حتى أصبحت نقطة جذب لكل احتياطياتهم الاستراتيجية من مختلف المناطق.
لقد اعتبر صالح والحوثيون معركة عدن، نقطة الارتكاز الاستراتيجي في مشروعهم الانقلابي، وهم نظروا لتلك المعركة باعتبارها حالة حسم مبكرة للحرب، واعتبروا أن الانتصار فيها يمثل الخطوة الحاسمة في استراتيجية الإطاحة بالرئيس هادي، إذ تمكنهم السيطرة على عدن – والجنوب بطبيعة الحال- من الادعاء بتحقيق الانتصار، وأنهم باتوا مسيطرين على عاصمتي الشمال والجنوب.
كما استهدفوا تجنب وجود الرئيس على أرض الجنوب وسط بيئة سياسية واجتماعية حاضنة ومؤيدة له، بما يعمق رمزية شرعيته ويحقق حالة من ازدواج السلطة، ويؤسس "لانقلاب" هذا الازدواج لغير مصلحتهم بحكم ما يحظى به الرئيس من دعم سياسي ومالي وعسكري من دول الخليج.
وفي الجانب المقابل، تظهر مؤشرات المعركة الجارية في عدن، أن تحالف عاصفة الحزم والرئيس هادي، بات يركز جهوده المباشرة على دعم المقاومة الشعبية في عدن. هذا التركيز يشير إلى تقدير لدى التحالف بأن تحرير عدن- وليس صنعاء أو غيرها-، هو نقطة البداية لتحرير اليمن وإسقاط الانقلاب.
لقد جرت وتجري أعمال التسليح والإمداد للمقاومة الشعبية، كما يواصل تحالف عاصفة الحزم أعمال القصف الممنهج لقطع طرق الإمداد والتموين لقوات صالح والحوثيين، استثمارا للخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه صالح والحوثيون، حين قرروا خوض المعركة الأهم وسط بيئة مجتمعية وسياسية معادية لهم، بما يصعب المعركة عليهم، خاصة والمعركة الجارية، هي من نمط حرب الشوارع وأعمال المقاومة التي تتحدد نتائجها على أساس البيئة الحاضنة، وحين اختاروا منطقة قتال بعيدة عن مناطق تركزهم –دون استعدادات مسبقة-بما يجعل إمدادات من صنعاء وصعدة، تحت رحمة التفوق الحاسم لطيران عاصفة الحزم.
وبذلك تعتبر معركة عدن حاسمة وذات تأثير كبير وخطير، خاصة، وهي تجري متزامنة مع معارك أخرى في محافظات الجنوب، بما يجعل انتصار التحالف والمقاومة الشعبية لمعركة عدن بمنزلة بداية التداعي الكبير والاستراتيجي لقوات صالح والحوثيين. فمن ناحية ستكون الأرض باتت مهيأة لبدء الشرعية اليمنية قيادة المعركة سياسيا وعسكريا على الأرض –وقد تنامى انحياز قطاعات متزايدة من الجيش اليمنى للشرعية-، ومن ناحية أخرى، فإن تطهير عدن سيمكن قوات التحالف من إنزال بعض القوات المدربة لحماية عدن، مع الدفع بالقوات اليمنية الموالية للرئيس هادي للحركة – تحت حماية طائرات الهليكوبتر-انطلاقا من المحافظات المحررة للالتحام مع قوات القبائل في محافظات الشمال، بما يسهل ويسرع وتيرة حسم المعارك في مختلف المحافظات في الجنوب، وتلك الشمالية القريبة منها على الأقل في وقت قصير.
تحرير عدن وبقية محافظات الجنوب والتحام القوات مع تلك الرافضة للانقلاب، سيحرر كتلة شعبية هائلة، ويفتح جبهات واسعة للمواجهة العسكرية على الحوثيين وأنصار صالح ويقلص من مناطق سيطرتها بما يسهل عمليات الضغط عليها، وإجبارها على الدخول في سلسلة تراجعات وأعمال انسحاب ستكون جميعها مكشوفة لطائرات عاصفة الحزم.
ما بعد تحرير عدن لن تكون المعارك كما كانت قبل تحرير عدن.
(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية، 10 نيسان/ أبريل 2015)