كان الصاروخ الذي دمر حافلة صغيرة خارج فندق جراند أوتيل في
عدن الأسبوع الماضي، وقتل تسعة من الرجال والنساء والأطفال، رسالة واضحة على أن الوقت حان للرحيل، فقد اقتربت الحرب الأهلية
اليمنية بشكل يقلق الراحة.
ومع اقتراب المقاتلين
الشيعة من عدن لمواجهة الرئيس
عبد ربه منصور هادي وأنصاره، قطعوا كل طرق النجاة برا، وبدأ الأجانب في المدينة يتدافعون بحثا عن مخرج.
فتوجه عمال من قطاعات النفط والشحن والخدمات، وكذا الأطباء والمهندسون والطلاب، إلى المبنى العتيق للميناء الذي شيده حكام عدن الاستعماريون البريطانيون قبل أكثر من 90 عاما. وكان من بين الساعين للخروج هنود ونيباليون وسوريون ومصريون وعراقيون وبريطانيون وأمريكيون، بالإضافة إلى بعض ذوي الأصل اليمني.
ووصل كثير منهم إلى السفن المنتظرة التي أرسلتها حكوماتهم لإجلائهم. وبحث آخرون باستماتة عن أي سفينة تحملهم إلى بر الأمان.
وتبين أن السفينة التي ستكون وسيلة خلاصي هي ناقلة نفط صدئة استؤجرت لتقل 40 طالبا إلى بلدهم جيبوتي. وفي نهاية الأمر استطاع أكثر من 200 شخص أن يحشروا أنفسهم على سطح السفينة (أميرة البحر 2) في رحلة تستمر 20 ساعة عبر خليج عدن.
وفي ظل عدم وجود غرف للركاب تقاسم النازحون السطح المعدني المكشوف للحصول على سنة من النوم خلال الليل.
وفي النهار تزاحموا في ممرات ضيقة عند مؤخرة السفينة؛ هربا من حرارة الشمس الحارقة، وكانوا يقتاتون أساسا على ما يقدمه طاقم السفينة من كسرات خبز وقليل من الجبن أو المربى.
تحت النيران
هز الهجوم الصاروخي على الحافلة الصغيرة الفندق، كما لو كان زلزالا، فهشم زجاج النوافذ، وخلع باب القبو.
وقام موظف سوري في الفندق بتطهير جروح شاب يمني دخل إلى بهو الفندق مضرجا بالدماء جراء إصابات في كل جزء من جسده، بينما برزت عظمة من مرفقه، وطلب له سيارة أجرة أقلته إلى المستشفى.
وحينما هز انفجار ثان الفندق، غادره معظم الموظفين اليمنيين.
واستمات موظف عراقي في الفندق في جهوده لإخراج أسرته من عدن، وخاطر بالذهاب إلى الميناء، حيث علم أن سفينة تعِد للإبحار، وعاد مسرعا لنقل الخبر.
أسرع أربعة منا بحزم أمتعتهم، وقفزنا في سيارة أجرة، وانطلقنا إلى المرفأ، تاركين وراءنا أصوات انفجارات ودوي إطلاق نار، بينما نمرق عبر الأحياء القديمة في المدينة باتجاه طرف عدن الممتد كلسان في المياه.
في الميناء، وجدنا مكتب التأشيرات الصغير في حالة من الفوضى، ونفى الموظفون أن تكون هناك سفينة ستبحر قريبا، متجاهلين مناشدات من طلاب جيبوتي، الذين أكدوا أن سفينة استؤجرت لتقلهم إلى بلادهم.
شققنا طريقنا عبر كتل خرسانية متآكلة في ميناء الصيد القريب، والذي أكد المسؤولون أن (أميرة البحر 2) راسية فيه ومن المنتظر أن تبحر قريبا.
سلمنا جوازات سفرنا إلى قسم الهجرة والجوازات للحصول على ختم المغادرة، وانتظرنا خارج البوابة المعدنية، لتعاد لنا وثائق سفرنا.
انتظرنا طوال اليوم
وعند المغيب، قيل لنا إن الوقت متأخر على إبحار السفينة، وإنه يتعين علينا العودة في الصباح التالي.
ووجدت احتجاجاتنا آذانا صما؛ حيث سارع الموظفون بالعودة إلى منازلهم قبل سريان حظر التجوال الليلي.
وبينما لم يعد لدينا مكان نذهب إليه، وفي وجود جوازات سفرنا لدى موظفي الهجرة والجوازات، قضينا الليلة في نزل البحارة، وهو عبارة عن ثلاث حجرات ضمن مكاتب الميناء، فيها حشايا إسفنجية متسخة بالعرق والتراب.
ولم يكد يغمض لنا جفن، بسبب الجوع والقلق من ضياع جوازات سفرنا، واكتفينا بالتحديق في السقف وسط الظلام، والاستماع لأصوات الانفجارات والكلاب النابحة في الخارج.
ومع شروق الشمس، دبت الحياة في المرفأ؛ حيث وصل الموظفون إلى عملهم، وانتظرنا بينما كان موظفو المرفأ يتجادلون بغضب فيما إذا كان ينبغي نقل الركاب إلى السفينة من مرفأ الصيادين، أو من مبنى السياح الذي يبعد حوالي ميل، وفيما إذا كان باستطاعة سفينة واحدة استيعابنا جميعا.
وأرسلنا إلى رصيف الميناء الذي يبعد مئات الأمتار، كي ننتظر أربع ساعات أخرى تحت الشمس.
وحين ابتعدت مجموعة عن الرصيف في قارب صغير، سمعنا أصوات انفجارات على مبعدة، وسقطت قذيفتان على الأقل في المياه على بعد بضع مئات فقط من الأمتار.
وعلى بعد خمسة كيلومترات خلفنا، كان مقاتلون حوثيون يشقون طريقهم في عدن إلى الحي الذي هربنا منه في اليوم السابق.
وانقضت ست ساعات أخرى، قبل أن تصبح السفينة جاهزة للإبحار، بعدما تلقت موافقة من عدة قوات بحرية تسير دوريات في خليج عدن.
ولكن بمجرد رفع المرساة، اندفعت عدة قوارب بأحجام مختلفة بمحاذاة السفينة، وعليها أجانب يتوسلون باستماتة للسماح لهم بركوب السفينة.
وكان
قبطان السفينة السوري مترددا في أخذ مسافرين لم تسجلهم سلطات المرفأ.
ولكن مشهد الوجوه المتوسلة من الرجال والنساء والأطفال الفزعين جعله يأمر بنقلهم إلى السفينة.
ومع حلول الليل أبحرت سفينتنا بهدوء من الميناء، وانسلت مبتعدة عن حرب اليمن.