قالت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها إن
ماليزيا، التي تعد إحدى قصص النجاح في جنوب
شرق آسيا، تواجه خطر الانزلاق نحو
الاستبداد.
وتشير الافتتاحية إلى أن ماليزيا، وهي البلد ذات ثلاثين مليون نسمة، أصبحت ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة، وأصبح شعبها ذا مستوى علمي جيد نسبيا، وهي مثال فريد لدولة
ديمقراطية مسلمة معتدلة، حيث تعيش الأكثرية المسلمة بانسجام مقبول مع الأقلية الصينية والهندية، ولكن هذا التوازن السياسي والإثني الدقيق بدأت خيوطه تتفكك، وبدأت البلاد تواجه خطر الانزلاق نحو الاستبداد، وهذا تطور مقلق في وقت يزداد فيه سواد الغيوم الاقتصادية.
وتذكر الصحيفة أنه منذ أن ترك البريطانيون ماليزيا عام 1957، حكمت ماليزيا المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، التي تمثل الأكثرية المسلمة الماليزية. وفي السنوات الأخيرة تحدى أنور إبراهيم، زعيم تحالف "باكاتان رأيات" المؤلف من ثلاثة أحزاب، هذه المنظمة. ويقول إبراهيم، الذي عادة ما ينظر إليه على أنه شخصية متمردة ومعيبة، إنه يريد إصلاح النظام السياسي المتحجر والفاسد في ماليزيا.
وتلفت الافتتاحية إلى أنه في انتخابات عام 2013 العامة حصل تحالف الباكتان المعارض على أصوات أكثر من التحالف الذي تقوده المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، ولكن وبسبب الطريقة التي وزعت فيها الدوائر حصل على 40 في المئة من مقاعد البرلمان فقط. ومع هذا فإن إداء أنور إبراهيم في استطلاعات الرأي كان قويا بما يكفي لإثارة المخاوف داخل الحزب الحاكم، حول فرص نجاحه في الانتخابات القادمة، التي سيدعى لها في عام 2018.
وتبين الصحيفة أنه في شباط/ فبراير وجهت ضربة قوية للمعارضة، عندما أمرت محكمة بسجن أنور إبراهيم لمدة خمس سنوات بتهمة اللواط. وكان الظاهر أن الحكم تم بدوافع سياسية. وقد أتبع هذا الحكم بسلسلة من الاعتقالات للسياسيين المعارضين والصحافيين. وقالت مجموعات حقوق الإنسان إنه خلال الأسبوع الماضي تم اعتقال 90 شخصا، بموجب قانون يعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني، يجرم الكلام الذي "يميل لإثارة الفتن".
وتجد الافتتاحية أن الحملات ضد المجتمع المدني خطيرة لسببين: الأول أنها تخاطر بخلق حالة استقطاب للمجتمع الماليزي، ما يصعب المحافظة على التوازن الحساس بين مجتمعات البلد المختلفة. ومع أن رئيس الوزراء الماليزي، نجيب عبدالرزاق، شخصية إصلاحية، وأعلن أنه ملتزم بالتحرر السياسي، ولكنه تحت ضغط اليمينين في المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، الذين يسعون إلى تهميش المعارضة ويقاومون الإصلاحات، التي قد تؤدي إلى تآكل الامتيازات التجارية التي تتمتع بها الأغلبية الماليزية في البلاد.
وتفيد الصحيفة بأن الأمر المقلق الثاني هو أن تنامي التوتر السياسي في البلاد سيجلب الأضرار على الاقتصاد الماليزي. وكانت ماليزيا قد حققت 6 في المئة نموا في الناتج المحلي الإجمالي عام 2014، وكانت تلك هي ثاني أعلى نسبة في جنوب شرق آسيا. ولكن ماليزيا مصدر مهم للطاقة، ما يجعلها معرضة للتأثر بهبوط أسعار النفط. كما أن المستثمرين الأجانب في ماليزيا يملكون أكثر من 40 في المئة من شهادات الاستثمار، وقد يصاب هؤلاء المستثمرون بالقلق إن كان هناك تدهورا في وضع البلاد السياسي والاقتصادي.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هذه مرحلة غامضة في سياسة جنوب شرق آسيا، وقد تجاوزت إندونيسيا انتخابات رئاسية، تم فيها تداول السلطة بسلام، ولكن تايلند تحولت إلى حكم عسكري، وهناك عدم وضوح في ميانمار حول كيف ينوي العسكر مشاركة الحكم. وحتى الفلبين، الأولى أداء في المنطقة، فمن الصعب التنبؤ بمسار السياسة بعد انتهاء فترة حكم الرئيس بنيغنو اكينو. وستكون العيون مسلطة على ماليزيا بهذه الخلفية في المنطقة، وإن كانت تريد الحفاظ على المستثمرين العالميين عليها أن تقدم ضمانات باستقرارها السياسي المستقبلي.