ترى صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها أن العمليات العسكرية التي تقوم بها
السعودية في
اليمن، للحد من التأثير
الإيراني فيه، هي جزء من الحديث الدائم عن الصراع السني الشيعي، الذي أصبح جزءا من الرواية في الشرق الأوسط.
وتجد الافتتاحية أنه في وسط هذه الحرب الدائرة يدفع المدنيون الثمن للفوضى الدائرة في اليمن، مشيرة إلى ما يطلق عليه ضحايا العمليات العسكرية، خاصة مقتل 40 شخصا في ضربة قام بها الطيران السعودي على معسكر لجأ إليه نازحون يمنيون شردتهم الحرب. وهو ما دعا مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فاليري أموس للتحذير من أن اليمن يقف على حافة الانهيار. وسجلت جرائم حرب من كلا الطرفين، حيث اتهم
الحوثيون بقصف المستشفيات في الأيام القليلة الماضية.
وتشير الصحيفة إلى أن الوضع في اليمن ذي التاريخ المهشم لا يمكن تحويله إلى رقعة شطرنج، حيث تتنافس فيه القوى الدولية، وتجر السكان المحليين إلى خلافاتها.
وتذكر الافتتاحية أن الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي، فرّ إلى السعودية بعد خروجه من القصر الرئاسي، نتيجة للثورة التي قام بها الحوثيون، وهم جماعة شيعية محلية.
وتستدرك "الغارديان" بأن الانقسام الطائفي لا يمكن أن يقدم تفسيرا لمشاكل اليمن، فهو بلد يعاني من فقر مدقع، وتنشط فيه جماعات مسلحة كثيرة. وأدى الربيع العربي عام 2011 إلى اندلاع ثورة شعبية قادت إلى الإطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح، الذي حكم البلاد منذ عام 1978.
وتلفت الافتتاحية إلى أن اليمن أصبح نقطة المواجهة الجديدة بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط، الذي ينحدر نحو دوامة من المواجهات المتعددة.
وتقول الصحيفة: "أصبح اليمن آخر صورة عن التنافس الإقليمي الذي دار ولسنوات في العراق وسوريا ولبنان. فقد أصبح البعد الديني لمشاكل الشرق الأوسط العدسات التي يمكن من خلالها النظر إلى الأحداث. واحتمال مشاركة باكستان في التحالف العربي في اليمن فيه تذكير لما وصلت إليه الصراعات الدينية والسياسية المتداخلة".
وتضيف الافتتاحية أن "الولايات المتحدة، التي لا تزال اللاعب الرئيس الخارجي في المنطقة، تجد نفسها محاصرة في اليمن، ولكنها لا تشارك دون تدخل عسكري، وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للسعودية. وفي السنوات الماضية استهدفت طائراتها دون طيار تنظيم القاعدة في اليمن. وإذا كانت الولايات المتحدة تمارس دورا متعقلا في اليمن، فهو من خلال خياراتها الاستراتيجية، بما في ذلك قرار الرئيس أوباما تحديد الهجمات الجوية المباشرة على تنظيم الدولة، والاعتماد على حلفاء محليين في العمليات البرية، وفي الوقت ذاته كانت تدير فيه واشنطن مفاوضات عالية المستوى مع إيران حول ملفها النووي".
وترى الصحيفة أن الغارات الجوية التي تقوم بها السعودية هي تعبير عن القلق الذي أبدته الدول السنية من التقارب بين إيران والولايات المتحدة، وهي محاولة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لإظهار قوته، وبالتحديد منع إيران من أن يكون لها موطئ قدم في الجزيرة العربية، وتم تطبيق المبدأ ذاته عام 2011 في البحرين، عندما تدخلت السعودية وسحقت الثورة الشيعية هناك.
وتفيد الافتتاحية بأن الصورة النهائية ليست مستقرة، ومن هنا فمن الصعب التكهن بالنتائج، فمن ناحية تتعاون الولايات المتحدة في العراق مع إيران ضد تنظيم الدولة، لكنها ابتعدت عن المواجهة مع حليف إيران في سوريا، وهو بشار الأسد. وبالتوازي مع هذا قامت واشنطن بإجراء محادثات مع إيران حول ملفها النووي، وفي اتجاه آخر فإنها تدعم العملية في اليمن.
وتعتقد الصحيفة أن التنافس السعودي الإيراني سيزداد في غياب التوصل إلى اتفاق حول ترتيبات الأمن الإقليمي. وهذا كله يعتمد على الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع حلفائها العرب، وتخفف من مظاهر قلقهم في حال وقعت اتفاقا مع إيران.
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالإشارة إلى أن الوقت لم يتأخر لجمع الأطراف كلها في المنطقة حول طاولة المفاوضات، والبديل عن هذا هو سفك دماء وضحايا بين المدنيين، يدفعون ثمن استراتيجيات غير واضحة.