احتفلت جريدة "اليوم السابع"
المصرية بعيد الأم على طريقتها الخاصة، ونشرت ملفا احتل صفحتين كاملتين في عددها الصادر يوم 21 مارس الماضي، يتناول ما سمته "زنا المحارم".
ليست المشكلة فقط في مستوي الفكرة وبذاءتها، وليست أيضا في نشرها في يوم مثل عيد الأم، لكن المضحك أن الجريدة نوهت في ملفها أنها "تفتح الملف المسكوت عنه". لأن موضوع "زنا المحارم "كان وما زال معينا لا ينضب لكافة الصحف المصرية بلا استثناء، الصفراء منها أو حتى التي تقدم نفسها باعتبارها صحفا "رصينة".
على مدار سنوات متابعتي للصحافة المصرية، صادفت عشرات من هذه الملفات التي تتحدث في نفس الموضوع، وكلها تتفاخر بتناولها له، باعتباره فتحا وسبقا جديدا لم يسبقه إليها أحد من قبل، لكن الحقيقة أن "المسكوت عنه" لم يعد كذلك مع توالي النشر الإعلامي حوله، وأصبح حديثا على كل لسان، ولم يعد جديدا حتي بمعايير الإثارة الصحفية الرخيصة.
حتى إنني أذكر أنني قرأت ملفا مماثلا في صحيفة صفراء عندما كنت طالبا بالمرحلة الإعدادية منذ أكثر من 10 سنوات.
ألفت نظر السادة القائمين على الجريدة أيضا، إلا أن هذا الموضوع تجاوز الصحف المكتوبة إلى الفضائيات، التي أصبحت تتنافس على تقديم كل ما هو شاذ ومنحط لمجرد جذب المشاهدين، ورأينا في برامج تلفزيونية عديدة أشخاصا يظهرون، إما بعد إخفاء ملامح وجوههم، أو حتى بوجوههم مكشوفة، ليحكوا تجاربهم في زنا المحارم، وآخرها قناة "أون تي في" قبل عيد الأم بأربعة أيام، التي عرضت فيلما تسجيليا عن القضية، في برنامج سبق أن ناقش نفس الموضوع منذ عام كامل. ألم أقل لكم إنه معين لا ينضب.
من هذه الفضائيات أيضا: قناة "النهار"، التي يقدم فيها رئيس تحرير جريدة "اليوم السابع" برنامجها الرئيسي، ولا أعتقد أن هذه الحلقات لم ينتبه إليها ليقول لنا إنه يفتح الملف "المسكوت عنه".
من جانبي، أقترح علي مسئولو الجريدة عدة موضوعات "مسكوت عنها" لنشرها، بدلا من تسول موضوعات مستهلكة فضلا عن انحطاطها، مثل وفاة المعتقل "خالد محمد سعيد" في سجن "بني سويف" بسبب منع الأدوية عنه، وهو ضحية أخيرة سبقها العشرات من المعتقلين الذين توفوا من التعذيب في أقسام الشرطة والسجون.
وقد فات علي الجريدة أيضا الحديث عن ملف "مسكوت عنه" في الإعلام المصري الحكومي منه والخاص، المرئي منه والمقروء والمسموع، وهي التسريبات التي سجلت في مكتب
السيسي أثناء عمله وزيرا للدفاع، وتضمنت ملفات "مسكوت عنها" وفضائح عدة يسيل لها لعاب أي صحفي، خاصة بعد أن أثبت مختبر عالمي متخصص في تحليل الأصوات صحتها. وبالتأكيد سيكون هذا الموضوع أهم بكثير من "زنا المحارم" وجرائم الشرف والشذوذ الجنسي وقصص الجن والعفاريت.
وإذا أرادت الجريدة حقا أن تفتح ملفات "مسكوت عنها" فلتتحدث عن اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة، التي وقعها السيسي مع الرئيس السوداني، ورئيس وزراء إثيوبيا، فلا أحد في مصر كلها ما عدا السيسي ورجاله يعرفون شيئا عن أجواء التوقيع على هذه الاتفاقية أو نتائجها على مصر والمصريين، ولا أسباب اتخاذ قرار التوقيع عليها، ولماذا الاستعجال في إقرارها في غياب أي سلطة أخرى غير سلطة السيسي المطلقة، خاصة أنها تتعلق بأخطر الملفات المتعلقة بالأمن القومي المصري وحياة المصريين جميعا.
حتى عندما تحدث الإعلام عن بنود الوثيقة، نقلوا جميعا من وكالة الأنباء الرسمية، وكأن المعلومات خضعت جميعها للـ"للفلاتر" التي تحدث عنها السيسي قبل ذلك.
وكالة الأنباء الرسمية نشرت أيضا تقريرا دعائيا يحتفي بالوثيقة، لكنه قال إن الوثيقة أكدت على "احترام" إثيوبيا لنتائج الدراسات المزمع إتمامها حول السد، وليس الالتزام بها.
أما السفير المصري في إثيوبيا، فقد كشف عن الخلاصة من توقيع الوثيقة، وقال بصراحة إن الجانب المصري اكتفي بتعهدات شفهية من الجانب الإثيوبي بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية، وهو ما يذكر باتفاقات التجار في الأسواق الشعبية، وليس بين دول.
وبالطبع لم ولن يسأل أحد أسئلة سخيفة لا محل لها حول ضرورة انتظار الانتخابات البرلمانية لإقرار هذه الوثيقة الخطيرة، أو عن السبب الذي جعل السيسي يوقع على الوثيقة ثم يتم الإعلان عن بنودها بعد ذلك، علي طريقة "ادفع وبعدين اشتكي".
وبالتأكيد سيكون مفيدا للغاية تحليل تصريحات السيسي لوسائل إعلام أمريكية طوال الأيام الماضية، لم يتوقف فيها عن مدح الولايات المتحدة والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بينه وبينها، وأن مصر لن تدير ظهرها لها حتى لو أدارت الأخيرة ظهرها له.
سيكون على الجريدة أن تفتح هذا الملف المسكوت عنه، وتقارن بين ما يقوله السيسي للإعلام الأمريكي، وحديثه عن حروب الجيل الرابع والخامس والمؤامرات الكونية ضده، واتهامات الإعلام المصري للولايات المتحدة بقيادة المؤامرة علي مصر، وصناعة داعش لمواجهة "ثورة 30 يونيو" كما قال وزير الثقافة السابق في إحدى تجلياته.
لن تفعل الجريدة شيئا من ذلك بالطبع، وستكتفي بموضوعات مماثلة لتلك التي نشرتها في ذكري عيد الأم، وستتغزل في تحقيقها سبقا صحفيا في موضوعات قتلت بحثا ونشرا. وتتفاخر ب"جرأتها" علي فتح الملفات الخطيرة "المسكوت عنها".