نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً على أثر ما تداولته وسائل إعلام ومواقع إخبارية من أخبار حول ما تعرض له مدير الأمن السياسي في
سوريا اللواء
رستم غزالة في الأسابيع الأخيرة، والغموض الذي يلف مصيره، وقال إن الغموض يعد أمراً طبيعياً في ملفات كهذه، بما أن المعني بالأمر من أبرز الشخصيات التي عملت في جهاز المخابرات خلال حكم الأسد.
ويلفت التقرير، الذي أعده الدبلوماسي السابق إينياس لوفورييه، إلى أن هذه القضية تحمل الكثير من الدلالات فيما يتعلق بهذا النوع من الأشخاص والعلاقات داخل هذا الجهاز، وحدود تسامح النظام الحاكم مع أخطاء أعوانه، ومدى استعداده لاستغلالهم لتحقيق مصالحه.
كما سلطت هذه القضية الضوء على نظرة العديد من السوريين في معسكر النظام تجاه المقاتلين
الإيرانيين وحزب الله، وبقية الميليشيات الشيعية التي يُفترض أنها "أنقذتهم" من انهيار محقق.
وذكّر التقرير بأن رستم غزالة، المكنى بـ"أبو عبدو"، عُيّن كمدير للأمن السياسي في سوريا على أثر التفجير الذي استهدف مقر مكتب الأمن الوطني في دمشق في 18 تموز، يوليو 2012، ولكنه معروف أكثر بدوره في لبنان خلال السنوات الأولى للألفية، حيث استغل نفوذه ومنصبه في أجهزة المخابرات السورية للقيام بأنشطة غير قانونية. من ذلك، دوره في إفلاس بنك المدينة بعد أن استحوذ على قروض وصلت إلى 200 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، والدور الذي قام به في التفجير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء رفيق الحريري و15 آخرين في شباط/ فبراير 2005.
وعاد رستم غزالة رجع إلى سوريا في خريف سنة 2005، خلال الانسحاب السوري من لبنان الذي فرض من مجلس الأمن الدولي، وحاز على ثقة بشار الأسد الذي كلفه بإدارة أمن المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، بما أنه من البديهي أن يكون قد ترك قنوات الاتصال مفتوحة في لبنان مع مخبريه وحلفائه.
وقد ورد اسم غزالة ضمن المسؤولين الذين استجوبتهم اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الحريري، ومنذ ذلك الحين تولدت لديه الشكوك بأن رأس النظام سيقوم بالتخلص منه ليحمي نفسه، وهو المصير ذاته الذي لاقاه سلفه غازي كنعان، الذي قال النظام السوري إنه عُثر عليه منتحراً في مكتبه في وزارة الداخلية عام 2005.
ولكن سرعان ما تمت طمأنته بعد ذلك من هذه الناحية، بفضل التسريبات التي كان يحصل عليها النظام السوري من أعضاء فاسدين في لجنة التحقيق، حصلوا على رشاوٍ مقابل إعلام النظام بمستجدات التحقيق، بحسب لوموند.
وتفيد المعلومات المتوفرة بأن رستم غزالة وصل إلى مستشفى الشامي، وهو مستشفى خاص يقع قرب القصر الرئاسي في مرتفعات دمشق يقدم العلاج للنخبة السياسية والعسكرية وعائلة الأسد، في الخامس عشر من شباط/ فبراير 2015 وهو في حالة حرجة، ورغم الغموض الذي يلف أسباب دخوله المستشفى، فإن أنصار النظام تداولوا فيما بينهم أخباراً متضاربة حول أسباب وصوله إلى هذه الحالة ومدى خطورتها.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن من تحدثوا عن وفاة الجنرال رستم غزالة يقولون إنه تعرض لأزمة قلبية مفاجئة، فيما يقول آخرون أنه أصيب بجروح قاتلة في أثناء قيادته لمعارك ضد الجيش الحر في منطقة
درعا. لكن أفادت روايات أخرى بأنه قتل على يد عناصر "فيلق القدس" الإيراني الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني. أما الروايات الأكثر تواتراً فهي تفيد باكتشاف بشار الأسد لتورط ضباط علويين في مؤامرة للإطاحة به، مما دفعه لإصدار الأوامر بتصفية رستم غزالة.
وأضاف التقرير أنه بالرغم من تضارب الروايات وغياب الإثباتات، فإن إمكانية صدور قرار من بشار الأسد بتصفية رستم غزالة تبقى واردة جداً بالنظر لحادثة وفاة ضابط آخر في دير الزور سنة 2013، نظر إليها وقتها باعتبارها بداية لسلسلة من عمليات الإخفاء المدروسة للمسؤولين الأمنيين السوريين الذين تورطوا في لبنان.
من جهة أخرى، ينقل التقرير عن رئيس حزب البعث اللبناني عاصم قانصو، الذي زار رستم غزالة في المستشفى، أن هذا الأخير أصيب في رجله وعينه بشظايا قذيفة في إحدى مواقع القتال في جنوب سوريا.
ولكن شكك التقرير في صحة هذه الرواية، لأنه من المستبعد أن يكون اللواء غزالة قد ترك مسؤولياته كلها في هذه المرحلة الحساسة ونزل ليشارك بنفسه في المعارك.
ولاحظ التقرير أنه رغم كثرة الروايات وتضاربها، فإن هنالك شبه إجماع على أن من أصدر الأوامر بتصفية رستم غزالة هم زملاء له في الجيش.
وأبرز المشتبه بهم في هذا السياق هو الجنرال جميل حسن، الرئيس الدموي للمخابرات الجوية، الذي يقال إنه أصدر الأوامر للطائرات بقصف محيط منزل رستم غزالة، بذريعة منع مقاتلي الجيش الحر من التقدم داخل بلدة قرفا، وجميل شحادة مدير المخابرات العسكرية الذي اتهم غزالة ببيع البنزين لمقاتلين معارضين للنظام في جنوب البلاد.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن رستم غزالة كان قد أثار غضباً كبيراً في صفوف زملائه بسبب رفضه السماح لقوات من إيران وحزب الله بالتمركز داخل منزله في مرتفعات بلدة قرفا في محافظة درعا، حيث أرادت تلك القوات اتخاذه مركز عمليات ومستودعاً للمدفعية والمدرعات لصد تقدم المعارضة على محور دمشق - درعا. وبدلاً من ذلك، قام غزالة بتفجير منزله بالكامل وحرق مكوناته كافة، ونشر تسجيلاً للعملية على اليوتيوب، في حركة تحد واضح للأوامر الصادرة بالتعاون مع الإيرانيين وحزب الله.
وأضاف التقرير أن غزالة صرح في وقت سابق، خلال اجتماع تنسيقي بين الجيش السوري والقوات الإيرانية واللبنانية المقاتلة إلى جانب النظام في سوريا، بأنه لولا سوريا لما كان
حزب الله موجوداً وبأن انتصار الجيش السوري في هذه الحرب يعني نجاة حزب الله من الاندثار. كما اتهم الميليشيات الشيعية بالجبن، وقال إنها تحقق الانتصارات من خلال شراء ذمة مقاتلي المعارضة وليس من خلال القتال.
وفي الختام، خلص التقرير إلى أن نظام الأسد يتعمد التعتيم على مجريات الأحداث من خلال نشر أخبار مختلفة ومتضاربة، وأنه من المؤكد أن ما حصل للواء غزالة هو رسالة من النظام لكل رجال المخابرات الذين بدأوا بالتململ، بسبب تعاظم النفوذ الإيراني وسيطرته على القرار السوري. هذا التململ بدأ يسري خاصة في صفوف الضباط
العلويين الذين شعروا بأن بشار الاسد لم يعد يثق بهم، وأنه أصبح مجرد دمية في يد إيران، وظهر ذلك جلياً في الخلافات التي دبت بين الجانبين خلال المعارك في القصير والقلمون والغوطة.