نشرت صحيفة "الغارديان" تقريراً لمراسلتها في
تركيا كونستانز ليتستش، حول عملية
تهريب الأشخاص من تركيا إلى
سوريا.
وتذكر الكاتبة كيف تعطلت حافلة صغيرة كانت تقل أشخاصاً إلى
الحدود السورية، فقال السائق للركاب: لا تقلقوا سأتصل بشخص آخر يأخذكم، وبعد 15 دقيقة وصلت حافلة أخرى صغيرة، وجاء سائقها ونظر داخل الحافلة المتعطلة وسأل: "جميعكم إلى الشريط؟"، والشريط هو عبارة عن 500 ميل من الحدود السورية التركية، التي يجب أن تكون مغلقة حتى لا يقوم المهربون بتهريب البشر والأموال لجهاديي
تنظيم الدولة في الجانب الآخر. وبضغط من الولايات المتحدة قامت تركيا بتشديد الرقابة على الحدود، ولكن ليس في كل مكان.
وتنقل الصحيفة عن سائق حافلة أخرى، قام بتوصيل المسافرين من بلدة
غازي عنتاب إلى الحدود، قوله: "إنه من السهل في هذه المنطقة الدخول عبر الحدود، ولكن يجب استخدام الشوارع الفرعية فهي الأكثر أماناً".
ويشير التقرير إلى أنه على شارع غير معبد تنتظر عدة حافلات صغيرة وسيارات، كل واحدة منها ستذهب إلى نقطة مختلفة من الحدود التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. ويبدأ ركاب الحافلة بالنزول شيئاً فشيئاً، وعندما تصل إلى بلدة حدودية، لم تذكر "الغارديان" اسمها؛ لحماية الأشخاص الذين أدلوا بأقوال لها، لم يبق في الحافلة سوى شخصين.
وفي محطة الباص يأتي ولدان مراهقان إلى الحافلة، ويعرضان أخذ الراكبين إلى الشريط. ويقول أحمد، الذي يلبس سروالاً غير مناسب لقياسه ومتسخاً بالطين، ويلبس حذاء ممزقاً: "عشر ليرات فقط"، بحسب الصحيفة.
وتبين الكاتبة أن المهربين السوريين مثل علي وأحمد، يهربون البضائع والناس عبر الحدود إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ويرون الرعب بشكل روتيني، ولكنهم يتجاهلون ذلك.
وينقل التقرير عن أحمد قوله وهو يضحك: "بالأمس فقط قام التنظيم بقطع رؤوس ثلاثة مقاتلين من الجيش السوري الحر"، ثم يجثو على ركبته ويطأطئ رأسه في تمثيل للمشهد، الذي يقول إنه رآه، ويشير بيده كأن سيفاً مرفوعة بيد واحدة يهوي على رقبته، ويقول: "قطعوا رؤوسهم هكذا".
وتورد الصحيفة أن سورياً تركمانياً آخر يومئ برأسه، وكان قد قطع الحدود إلى تركيا قبل قليل؛ ويقول: "قد رأينا شخصاً مصلوباً في طريقنا إلى الحدود. ليست لديكم فكرة ماذا نرى كل يوم في سوريا هذه الأيام، فحياتنا أصبحت مثل فيلم رعب".
وينقل التقرير عن علي قوله إنه ساعد على حمل أمتعة ما لا يستطيع عده من الأجانب الذين قطعوا الحدود ليصلوا إلى مناطق تنظيم الدولة، ويضيف: "كان هناك رجال فرنسيون دخلوا إلى سوريا مع عائلاتهم .. وفي مرة من المرات حملت حقيبة مليئة بالدولارات، والرجل الذي ساعدته كان يحملها إلى تنظيم الدولة".
وتلفت الصحيفة إلى أن مئات الأجانب استخدموا نقاطاً حدودية مثل هذه، للدخول إلى سوريا، ولكن يعتقد بأن الحالات التي اشتهرت، وهي حالات بنات المدارس البريطانيات الثلاث، قد دخلن سوريا من نقطة تقع إلى الشرق.
وتذكر الكاتبة أن تجارة التهريب مزدهرة، بحسب المهربين، ويقول علي: "نحمل الأسلحة والذخيرة عبر الحدود أيضاً، ويحصل سائقو الحافلات على 500 ليرة للحقيبة الواحدة". ولا يحب أي منهما تنظيم الدولة، يقول أحمد مبتسماً: "لا، لا أحبهم، ولكن ماذا عساي أن أفعل؟ إنه عمل وأنا أحتاج المال".
ويشير التقرير إلى أن عائلة أحمد تعيش في سوريا، ولا يعمل أحد منهم في تركيا سواه، ويقول بشيء من الفخر: "أمسك بي تنظيم الدولة مرتين، أفعل أشياء لم يكن من المفروض أن أفعلها، وكانوا يريدون إعدامي، ولكن عمي ساعدني في المرتين، والآن معي ورقة رسمية أعطوني إياها".
وتقول "الغارديان" إنه لفترة طويلة لم تكن لدى الأجانب صعوبة في اجتياز الحدود، والسلطات تغض الطرف، ولكن المهربين كلهم يقولون إنها أصبحت أصعب من قبل، ولكن شريان حياة تنظيم الدولة هنا، ولا يزال يعمل بسلاسة.
وينقل التقرير عن رجل تركي قوله: "في وقت محدد في الليل يقومون بعملهم هنا.. السكان المحليون يعلمون والشرطة تعلم ذلك أيضاً. وفي ذلك الوقت لا يذهب أحد إلى هناك؛ لأن التنظيم يكون هناك ويغض الجيش طرفه عن ذلك". ويومئ علي برأسه قائلاً: "إنه الوقت ذاته في كل ليلة".
وتوضح الكاتبة أن القادمين لا يقطعون الحدود لينضموا إلى تنظيم الدولة فقط، فمثلاً كان هناك رجلان كرديان يلبسان بزات الجري، وهما في منتصف العشرينيات من العمر، يريدان زيارة عائلتيهما في منبج، وهي بلدة يسيطر عليها التنظيم شرق حلب، وتبعد حوالي 30 دقيقة من الحدود التركية، ولكن أحدهما يغامر مغامرة كبيرة بدخوله إلى تلك المناطق؛ لأنه قاتل سابقاً إلى جانب الجيش السوري الحر، قبل الهروب عبر الحدود إلى تركيا.
وتضيف ليتستش أن هويته السورية تشير إلى أن مكان إقامته هو عين العرب أو كوباني، المدينة الكردية التي هزم فيها التنظيم قريباً على يد وحدات حماية الشعب الكردية.
ويفيد التقرير بأن المهرب يقول للرجل: "لا أدري لماذا تقول الهوية أنك من عين العرب"، فيجيبه أنه من منبج، ويقترح مهرب آخر عليه أن يخبئ هويته، أو يقول إنه قد فقدها في أثناء القصف. فيقول آخر: "ولكن ماذا إن فتشوه؟.. إنهم يفعلون ذلك كثيراً، فإن وجدوا معه الهوية، بعد أن يكون قال إنه أضاعها، فسيقتلونه بالتأكيد".
وتذكر الصحيفة أن رجلاً سورياً آخر ينصحه بعدم الذهاب نهائياً، وخاصة أنه كردي، وحارب إلى جانب الجيش الحر، وهويته تقول إنه من سكان كوباني، وأي واحدة من هذه كافية لأن يقوم التنظيم بقتله.
ويستدرك التقرير بأن الرجل الكردي يقول إن أباه مريض، وهو بحاجة إلى زيارة عائلته، ويتفاعل النقاش أكثر، ويقترح مهرب أن يعبر من نقطة تقع حوالي 20 ميلاً، ولكن آخر يقول إن المنطقة تقع بين تنظيم الدولة وفصيل مناوئ، وهذا يعني المرور عبر حواجز أكثر، والخضوع لتفتيش أدق، فيعلق آخر: "إنها الطريق الأكيدة لأن تقتل". فيقول الرجلان الكرديان إنهما أنفقا ما كان لديهما من مال على الرحلة من غازي عنتاب.
وتتابع الكاتبة أن "علي" يوافق على أن يهربهما، ويتجنب حواجز التنظيم، دون أن يدفعا له أجره، ويقول لهما إن أمه كردية، وإنه يريد أن يساعدهما، ويعطيه رجل سوري آخر 10 ليرات أجرة سيارة توصله إلى منبج.
وتبين الصحيفة أن العائلة المتعبة تركب في الحافلة في طريقها إلى العودة إلى غازي عنتاب، بعد قطع الحدود إلى تركيا، ويجلس الركاب على المقاعد التي غطاها السائق بالنايلون؛ لأنه لا يريد أن تتسخ، فالناس يزحفون تحت السياج، وتتسخ ملابسهم بالطين، ويقول السائق إنه لا يريد غسل المقاعد كل يوم.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه هكذا تذهب الحافلة إلى غازي عنتاب، تحمل معها القادمين من سوريا، وتجد ركاباً ينتظرون في المحطة، فيسألهم السائق: إلى الشريط؟ فيقولون: "نعم إلى الشريط".