تتجه الأنظار الى العاصمة
السعودية الرياض التي أعلنت استعدادها قبل أيام، لاستضافة جولة جديدة من الحوار بين الفرقاء السياسيين في
اليمن، إلا أن رفض جماعة "أنصار الله" الحوثي، وتحفظ حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس السابق علي صالح، ما يزال تحدياً ماثلاً أمام انطلاق هذه الجولة، رغم موافقة أغلب القوى السياسية في البلاد، منها حزب التجمع اليمني للإصلاح والحراك الجنوبي، فضلا عن الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي طلب رسمياً نقل الحوار إلى الرياض.
ويجمع خبراء يمنيون أنه "لا يمكن حسم المسألة اليمنية، ما لم يكن لدول مجلس التعاون الخليجي دور فاعل يضمن استعادة الدولة وتغيير موازين القوى على الأرض، الذي يتزامن مع سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء التي أعلنها الرئيس هادي بأنها "محتلة".
نقل الحوار خطوة لا بد منها
ويرى رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات نجيب غلاب أن "دعوة الرئيس اليمني لنقل الحوار إلى مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض خطوة لا بد منها، لإكمال المسارات السابقة وإعادة تقييمها، بعدما جرى التعامل مع الحوار من بعض الأطراف أداة لإعاقة التحولات وتكتيك لإدارة الصراعات وتخريب التوافق الذي حددته الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، فضلاً عن جعل الحوار استراحة محارب لتحقيق أهداف وغايات لا علاقة لها بالمبادرة، وتحويله إلى وسيلة لتصفية الخصوم" . في إشارة منه إلى حزب الرئيس السابق على صالح وحلفائه في جماعة الحوثي.
وقال في حديث خاص لــ"عربي21" :إن "الحوارات السابقة ظلت معزولة عن الواقع، وظهرت للشارع اليمني مكانا لتداول الأفكار والنظريات النخبوية، ولم تحقق الهدف الأساس في بناء الجسور بين القوى المتنازعة، بل مثل ملعب تُمارس عبره المكونات السياسية تمرينا ذهنيا في وضع الحلول المثالية، ولم يتلمس للمشكلات الواقعية"، وتابع قوله:" إن القوى الفاعلة، لم تتحاور بل كان الحوار بين الواجهات الديكورية للأحزاب ولمراكز القوى وجماعات المصالح، فتحولت الكتل التي تعمل في بنية الحوار إلى دوائر وحلقات تُمارس المزايدة في وضع الحلول مغمورة بالمبالغات والتناقضات والتحيزات التي لا علاقة لها بأصل المشكلة اليمنية". على حد قوله.
وبيّن رئيس مركز الجزيرة للدراسات أن "أطراف كالحوثيين وقوى أخرى انخرطت في الحوار، واستمرت في إدارة صراع بناء القوة وتغيير الواقع بما يدمر الحوار وطبيعته، الذي يتعارض تماماً مع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، كما أن قوى أخرى ركزت على الاستيلاء على مداخل القوة في الدولة، وأخرى بذلت جهدها لتحويل الحوار إلى مدخل لبناء قوتها، وجعله الأداة التي تمكنها من فرض خياراتها بما يزعزع التوافق، الذي أفقد المفاوضات حيويتها".
ولفت إلى أن "نقل الحوار إلى العاصمة السعودية وبمظلة خليجية يمثل ضرورة لمعالجة المشكلات وإنقاذ مندوب الأمين العام جمال بن عمر والمظلة الأممية من الفشل، بعدما وصلت أغلب القوى إلى قناعة أن بن عمر بات مشكلة معيقة للحوار، فالتقنيات التي اتبعها أدت إلى فشله، وعدم حماية مكتسبات الحوار الذي رعاه، وبالتالي لعب دوراً سلبيا مضلل للدول العشر ولمجلس الأمن بوعي أو بدون وعي، وما وصلنا إليه ليس إلا نتاج التضليل والضعف والعناد والقرف لبن عمر" على حسب وصفه .
وقدم الأكاديمي والسياسي اليمني غلاب مقترحات للحوار المزمع عقده في الرياض، منها "التشديد على خروج الأقوياء من تحت الطاولة حتى يجري ضمان مفاوضات تقوم بها القيادات الكبيرة صاحبة القرار، والمراكز الفاعلة لا الواجهات الإعلامية، أي أن" يكون الحوار بين القادة لا الأتباع " على حد وصفه.، مضيفًا بأن "الحوار لا بد أن يكمل سابقه، ويبني عليه، ويقيمه ويعدل، ويضيف اتفاقات كبرى تؤسس لدولة جامعة وتضع الحلول الاستراتيجية، بضمانات يحميها الجميع وسيكون للمظلة الخليجية قوة كافية مسنودة من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ".
وأبدى غلاب تفاؤله بحوار الرياض الذي اعتبره بأنه "سيسهم على بناء إجماع وطني ومصالحة وطنية"، لكنه استدرك قائلا : "أي تمرد على الإجماع يجب مواجهته بصرامة وحسم، حتى لا يخضع الداخل والخارج لقوى الفوضى، لأن ذلك سيجعل من القوى الناعمة والصلبة حاضرة وقادرة على الفعل، مسنودة بشرعية داخلية وخارجية لإعادة اليمن إلى قاطرة السلام". وفق تعبيره
لعبة التوازنات والصراع الإقليمي باليمن
من جهته، قال الباحث المحلل السياسي رضوان السماوي : "حتى الآن، لا يوجد شيء يمكن تسميته "نقل الحوار بين القوى السياسية إلى الرياض"، كل ما هنالك هو طلب تقدم به هادي إلى الملك السعودي، بهدف إعادة التوازن للعملية السياسية والعسكرية التي قد انفرد بها الحوثيون في إدارة مشهدها والتحكم بمسارها".
وأكد السماوي في حديث خاص لـ"عربي21" أن استجابة الرياض لطلب الرئيس اليمني بنقل جلسات الحوار إلى مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، يعبر عن الدور الذي لا تزال تتمتع به السعودية، وخصوصاً بعد وصول بن عمر إليها، والالتقاء بالسفير الأمريكي، وكل تلك المعطيات السابقة، تشير إلى أن "اليمن دخلت في لعبة التوازنات والصراع الإقليمي والدولي في المنطقة والعالم".
وحول الملفات التي ستكون على جدول الحوار في العاصمة السعودية، قال الباحث السماوي : "من السابق لأوانه الحديث عن موضوعات حوار الرياض، فهو لم ينضج بعد، وإن كان المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر، قد أكد على" ضرورة حسم النقاش حول الرئاسة وشكلها، حتى يتم الانتقال إلى مواضيع أخرى من بينها مكان الحوار التي قالت إنه يُفضل دوله غربية وليست عربية"، قابله رفض حزبييّ الإصلاح والناصري على عدم مناقشة موضوع الرئاسة".
وأشار إلى أنه "حتى اللحظة، لا توجد ضمانات حقيقية، والتي تكمن في تغير موازين القوة على الأرض، عقب هروب الرئيس هادي من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون، وما تبعه من إعلانه عن ضرورة نقل الحوار وقبول الرياض بالاستضافة، وما قد يُستجد على الوضع العسكري في مدينة مأرب النفطية ومدن جنوب اليمن، ستشكل رافعة تحسم مسألة تلك الضمانات".
وتوقع المحلل السماوي أن "تتحول اليمن لساحة صراع جديدة تعتمل فيها كل العوامل والقوى المحلية والإقليمية والدولية، وما الدعوة إلى نقل الحوار إلا جولة من جولات ذلك الصراع السياسي، الذي ربما تتلوه جولات أخرى، ولكن بلغة أخرى هي أزيز الرصاص وعبر فوهات البنادق" .
الحوار غير مجد في ظل انقلاب الحوثي
وفي هذا السياق، وصف رئيس تحرير موقع "الخبر" اليمنية صفوان الفائشي أن "نقل الحوار الوطني بين القوى السياسية اليمنية إلى الرياض، بالخطوة الإيجابية والصحيحة" في ظل تمنطق جماعة الحوثي بالسلاح، وفرض شروطها على المتحاورين، وإكراههم على أشياء يرفضونها" على حد وصفه.
وأضاف الفائشي في حديث خاص لـ"عربي21" : "أن حوار الرياض لن يكون مجدياً في ظل سيطرة جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة صنعاء، وقبل إنهاء الانقلاب، سواء كان الحوار في الداخل أو الخارج، وما لم يكون هناك ضمانات حقيقية تملك زمامها دول قادرة على تمرير ما اتفق عليه المتحاورون".
وأوضح رئيس تحرير موقع الخبر أن "الضمانات الحقيقية لأي حوار قادم يجب أن تتمحور على "نزع أسلحة الجماعات المليشياوية، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل اجتياح
الحوثيين لصنعاء في 21 من أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وعمل كل ما من شأنه تحجيم جنون وطيش جماعة الحوثي التي لا تستند إلى أي رؤى منطقية أو صحيحة يمكن أن يقبل بها اليمنيون" وفق تعبيره