ضيق ذات اليد، وفقر سياسات التنمية، وغياب الحافز والتواصل الإنساني بين مكونات
المجتمع الذي قد يسميه البعض حوارا؛
عوامل يراها خبراء، بمثابة "دوافع" للانتحار في
تونس التي شهدت مؤخرا تزايدا في عمليات قتل النفس، ما دفع كثيرين لإسباغ وصف "
الظاهرة" عليها، وقاد آخرين للبحث في حلول ناجعة لها، تتضمن سياسة اجتماعية شاملة، والحث على تبني نمط للعيش السليم.
ووفق دراسة أعدها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (غير حكومي)، نشرت قبل أسبوع، تصدرت محافظة القيروان، وسط تونس، نسب
الانتحار بتونس عام 2014، بواقع 31 حالة انتحار من مجموع 203 حالات في كامل البلاد. وسجلت البلاد 304 حالات انتحار عام 2013.
والسنة الفائتة، أصدر مفتي الجمهوريّة التونسيّة السابق، حمدة سعيد، بيانا أكد فيه أن "قتل النفس بالحرق أو الغرق أو بالخنق أو بأي وسيلة، حرام في الإسلام"، داعيا "كل المسلمين إلى عدم الالتجاء إلى حل الانتحار مهما أصابهم من بلاء الدنيا وضيقها، وأن يصبروا ويثابروا"، في محاولة لكبح جماح الظاهرة التي تزايدت وتيرتها في المجتمع.
وتواصات عمليات الانتحار منذ ذلك التاريخ، وسجلت البلاد انتحار 23 شخصا في شهر آب/ أغسطس 2014، ثم 27 حالة انتحار في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه.
وتركزت حالات "الانتحار" بمحافظة القيروان في منطقة "العلا" و"الوسلاتية "و"حفوز" و"بوحجلة".
ووفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سجلت ''العلا'' وحدها نحو 15 حالة انتحار بين نيسان/ إبريل 2014، وكانون الأول/ ديسمبر 2014، وسجلت نسبة عالية منها في صفوف تلاميذ والمنقطعين عن الدراسة، علما بأن هذه المنطقة تتصدّر أسفل الترتيب التنموي على السلم الوطني، وهو 260 من أصل 264 منطقة في كامل أنحاء الجمهورية، حسب معطيات قدّمها النائب بالبرلمان طارق الفتيتي.
وبحسب المنتدى، فقد تراوحت أسباب تفاقم الظاهرة، بين عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية، كما أنها شملت مختلف الفئات السنية بين تسع سنوات و75 عاما، من التلاميذ والموظفين والعاطلين والمزارعين والتجار.
وأفاد المنتدى بأن القاسم المشترك بين هذه الحالات هو انتماؤهم للمناطق الريفيّة بمحافظة القيروان التي يشكل فيها سكان الريف حوالي 68% من عدد السكان المقدر بـ600 ألف، وفقا لإحصائيات رسميّة.
وأفاد عبد الستار السحباني، وهو مختص في علم الاجتماع بتونس وصاحب دراسة حول الانتحار، بأنه "تم تسجيل 18 حالة انتحار أطفال في 2014"، مشيرا إلى أنّه "من أهم أسباب هذه الظاهرة غياب الحوار بين مكونات الأسرة مع الأطفال الذين يعانون من حالة اكتئاب، بالإضافة لغياب الحوار في الوسط المدرسي مع المربي".
السحباني قال إن "تونس شهدت 203 حالات ومحاولات انتحار في 2014، أي بمعدل 17 حالة ومحاولة شهريا"، موضحا أن "الشريحة العمرية بين 26 و35 سنة هي التي تتصدر حالات الانتحار بـ60 حالة، فيما بلغ عدد حالات انتحار الأطفال 18 حالة من بينها 12 حالة تخص الفتيات".
وبخلاف إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لا توجد أرقام دقيقة ولا دراسات رسميّة صادرة عن جهة القيروان، سواء لدى وزارة الصحّة أم الشؤون الاجتماعيّة أم وزارة الداخليّة.
وتربط المنظمات الحقوقيّة التونسية بين ارتفاع نسبة الانتحار، وتدني حظوظ التنمية والظروف الاجتماعيّة بمحافظة القيروان، التي شهدت تحرّكات احتجاجيّة فردية وجماعية من أجل مطالب التشغيل والماء وتحسين ظروف العيش، خلال الفترة الماضية.
وبالرغم من بدء المنظمات الحقوقيّة والاجتماعيّة في التحرك الميداني للتحسيس بخطورة ظاهرة الاقدام على الانتحار، والحد من تفشيها، عبر أنشطة تربوية وثقافيّة بالاشتراك مع الهياكل الرسميّة والمختصّين في علم النفس والاجتماع، فإن الانتحار لم يتوقف، بل تزايد، بحسب مراقبين.