سياسة عربية

أي مستقبل للحوار السياسي الليبي في ظل التصعيد العسكري؟

من الحوار الليبي بإشراف الأمم المتحدة - أرشيفية
من الحوار الليبي بإشراف الأمم المتحدة - أرشيفية
انقسمت الدول الإقليمية المهتمة بالملف الليبي حول جدوى التدخل العسكري في البلاد.

واعتمدت دول الجزائر وتونس وقطر مقاربة سياسية لإنهاء الأزمة السياسية والأمنية؛ من خلال الحوار الذي تديره بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة المبعوث برناردينو ليون، رافضة التدخل العسكري الدولي تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية؛ لغموض نتائجه، واحتمالاته العالية في هز أنظمة دول جوار ليبيا الإفريقية والعربية.

في المقابل؛ تسعى السعودية والإمارات ومصر إلى إقناع المجتمع الدولي ودوله الكبرى بضرورة التدخل العسكري، أو إنشاء قوة عربية مشتركة معنية بالتدخل عسكرياً ضد التنظيمات الموسومة بـ"الإرهابية" في المنطقة العربية بالكامل.

شرق ليبيا

استطاع اللواء المتقاعد خليفة حفتر تجييش المناطق المحيطة بمدينة بنغازي للدخول في معركة تحت لواء عملية الكرامة، ضد مجلس شورى ثوار بنغازي، الذي يضم إلى صفوفه تنظيم أنصار الشريعة الموضوع على قوائم إرهاب مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة الأمريكية.

ويسعى حفتر إلى كسب ولاء المناطق القبلية المحيطة بمدينة درنة، خاصة بعد عملية تفجيرات مدينة القبة التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية في درنة.

ومن خلال تكليفه قائداً عاماً للجيش الليبي، المنصب الذي استحدثه مجلس النواب المنحل، وترقيته إلى رتبة فريق؛ باتت كل السلطات العسكرية بيد حفتر، الأمر الذي سينهي الجدل الدائر حول تبعية عملية الكرامة لرئاسة الأركان العامة التابعة لبرلمان طبرق. 

كما أن حفتر حصد مزيداً من التأييد الشعبي (هل في ذلك مبالغة؟ لا توجد مبالغة حتى درنة المدينة الوحيدة التي لم يدخلها حفتر سكانها مؤيدون لعملية الكرامة إلا أنهم يخشون انتقام تنظيم الدولة، لم تخرج مظاهرة واحدة في شرق ليبيا معارضة لحفتر) الذي يرى فيه قطاع من الليبيين أنه المنقذ من انتشار التطرف والإرهاب، والقادر على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية تحت مسمى وفكرة الجيش الليبي.

ويرى الخبراء العسكريون أن مسألة حسم المعركة لصالح أحد طرفي الصراع والاقتتال في شرق ليبيا؛ متعذرة في ظل الدعم الإقليمي لكلا الطرفين وتغذيته، بالإضافة إلى توافد أجانب من خارج ليبيا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة وأن الحدود الليبية الشرقية والغربية والجنوبية غير مسيطر عليها.

ويضيف الخبراء أن المجتمع الدولي سيتجه إلى مساعدة برلمان طبرق في السيطرة على الحدود البحرية لمنع أي إمدادات لوجستية وأسلحة وذخائر تأتي من غرب ليبيا، كدعم لقوات مجلس شورى ثوار بنغازي، من خلال توصية لجنة خبراء في مجلس الأمن الدولي بتشكيل قوة بحرية دولية تحت ذريعة منع تدفق السلاح إلى أراضيها بشكل غير شرعي، أو تصدير وبيع النفط من غير طريق مؤسسات الدولة الرسمية، مشيرين في هذا الصدد إلى أن أفضل الطرق لوصول دعم من غرب ليبيا، ونقل الجرحى للعلاج؛ عن طريق الشريط البحري الرابط غرب ليبيا بشرقها.

ويرون أنه إذا ما تم إنشاء هذه القوة الدولية البحرية؛ فسيكون ذلك أول خطوة لتجفيف منابع تزويد معارضي حفتر بالسلاح في شرق ليبيا؛ ليبقى على الجيش المصري منع هذا التدفق عن طريق الصحاري والحدود الخاضعة له.

ويرجح مراقبون أن التدخل العسكري في ليبيا ما زال بعيداً، مشيرين إلى أن إمداد حفتر بالسلاح من طرق غير رسمية، ودعمه في حشد مزيد من قوات المناطق القبلية؛ سيكون بديلاً عن هذا التدخل.

جنوب ليبيا وغربها

رصد مراقبون تحركات لقوات عسكرية مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة من مكوَّن "التبو" بين دول تشاد والنيجر والجنوب الليبي، متحالفة مع مقاتلين سابقين من كتائب النظام السابق ينتمون لعدة قبائل عربية في جنوب ليبيا، وكلها مؤيدة لعملية الكرامة ويشرف على إدارة عملياتها خبراء فرنسيون.

ويسعى هؤلاء المقاتلون إلى إشعال حرب في جنوب ليبيا، ظاهرها الخلافات التاريخية القديمة بين مكوني التبو والطوارق، وحقيقتها إرباك مشهد الجنوب الليبي الذي يشهد صراعاً للسيطرة على منافذ تهريب البشر والسلاح والمخدرات، وتستفيد من هذه التجارة جماعات مسلحة تنتمي لتنظيمي أنصار الشريعة والدولة، تنتشر داخل الصحراء الليبية التشادية الجزائرية. (هل صح أن هذه الجماعات تستفيد من تهريب المخدرات/ أساءت التعبير الذي تستفيد منه هذه الجماعات المنتشرة في جنوب ليبيا هو تجارة السلاح والشراكة في تهريب الهجرة غير الشرعية عبر الصحراء وصولا إلى سواحل طرابلس والخمس وتاجوراء وزوارة؟)

أما في غرب ليبيا، ورغم سيطرة قوات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس؛ إلا أن خليفة حفتر، والعقيد فرج البرعصي - أحد أبرز القادة العسكريين لعملية الكرامة - يجريان اتصالات مع ضباط وقادة كتائب ومدنيين في المنطقة الوسطى في سرت، وفي بني وليد، وفي مناطق راقدلين، والعجيلات، والجميل، وزوارة، والزاوية، وتاجوراء، إضافة إلى التحالفات السابقة مع جيش القبائل وكتائب من الزنتان في الجبل الغربي، وذلك لتجميع قوات وتزويدها بالسلاح لإشعال معارك في محيط مدينة مصراتة كونها أكبر قوة عسكرية مسلحة في غرب ليبيا من حيث العتاد العسكري وعدد القوات، واستنفاد مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة والذخائر، وإضعاف قوتها، وإشغالها بمعارك داخل المدينة وفي محيطها، وبالتالي سهولة دخول العاصمة كهدف رئيس، والسيطرة عليها.

وفي حال فشلت سيطرة قوات حفتر على طرابلس، فإنه سيسعى - بحسب مراقبين - إلى إضعاف فرص انتقال حكومة التوافق الوطني التي يجري الاتفاق حول تفاصليها في الحوار الجاري إلى العاصمة طرابلس، باعتبار أنها غير آمنة، والدخول في مفاوضات جديدة حول مكان استقرار الحكومة خارج العاصمة طرابلس.

يُضاف إلى ذلك؛ احتمالية تنفيذ عمليات مسلحة - على نمط عمليات تنظيم الدولة - داخل مصراتة نفسها، والعاصمة طرابلس، وبني وليد؛ لجر جميع القوى المسلحة إلى صراع عسكري، وذلك في ظل معلومات عن استقبال مدينة الزنتان لـ150 مقاتلاً سابقاً في كتائب القذافي، قدموا من خارج ليبيا؛ لإشراكهم في القتال إلى جانب قوات جيش القبائل المتحصنة في قاعدة الوطية (لم أفهم، خطأ مطبعي) جنوب غرب طرابلس.

ماذا بعد؟

طالبت بعض القوى الدولية والإقليمية رئاسة المؤتمر الوطني العام وقوات فجر ليبيا؛ بإدانة واضحة وصريحة للعمليات المسلحة التي استهدفت مدنيين ومواقع ومؤسسات الدولة، والتي تبناها تنظيم الدولة في ليبيا، إضافة إلى توجيه ضربات نوعية لخلايا التنظيم في مدن غرب ليبيا التي له فيها موطئ قدم.

هذه المطالبات أثارت جدلاً بين قادة عمليتي "فجر ليبيا" و"الشروق" حول أهداف الدخول في معركة جديدة مع تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا ما كانت ستؤدي إلى إنهاكهم وإضعاف قوتهم، بالتزامن مع تهديدات أخرى يمثلها الموالون لحفتر في غرب ليبيا، خاصة جيش القبائل، وكتائب القعقاع والصواعق والمدني في الزنتان.

ويرى المحللون السياسيون أن فرص نجاح الحوار الليبي برعاية أممية قائمة، لكنها تحتاج إلى وقت طويل، في ظل التصعيد العسكري، وافتعال أسباب جديدة للصراع بمناطق شهدت في الفترة الماضية هدوءاً نسبياً، مع احتمال زيادة الانقسامات في صفوف المؤيدين للمؤتمر الوطني العام، وذلك بعد أن قطع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الطريق أمام معارضيه بترقيته وتكليفه بالقيادة العامة للجيش. (لا أدري! إذا كانت ثمة انقسامات في صفوف المؤيدين المؤتمر الوطني العام، ألا يوجد انقسامات في صفوف الفريق الثاني).

مؤيدو المؤتمر الوطني العام من فجر ليبيا والشروق لديهم حسابات خاصة ظهرت على السطح خاصة بعد عدم حسم المعارك العسكرية، ووقودها الرئيس من مقاتلي مصراتة، أيضا عدم وجود قيادة سياسية ناضجة تقود هذا الخليط من العسكريين والمدنيين المقاتلين، الآن يطرح مشروع جزائري غربي مشترك بضرورة قيام فجر ليبيا بتوجيه ضربات لتنظيم داعش وما أثار انقساما آخر داخل عمليتي الفجر والشروق ومصراتة، حول استنزاف هذه الحرب الجديدة لقوتهم.

معسكر حفتر والكرامة، لا يوجد به انقسام إلا تيار حزب تحالف القوى الوطنية الذي عارض تكليف حفتر كقائد عام للجيش نتيجة خلاف بين جبريل وحفتر حول دور المؤسسة العسكرية ودور حفتر كمنفذ للكرامة وليس قائدا سياسيا، حفتر استطاع الحصول من مجلس النواب على تكليفه كقائد عام للجيش، بما يملكه من قوة على الأرض، جبريل لا يملك قوة على الأرض بعد أن أخرجت قوات فجر ليبيا حلفاء جبريل من كتائب القعقاع والصواعق والمدني من طرابلس، قُلمت أظافر جبريل، وبقي حفتر متصدرا بشعبيته ومليشياته المسلحة.
التعليقات (0)