يقول الكاتب أوين جونز في مقالة نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن وصف
تنظيم الدولة بالشر الأكبر يخدم التنظيم والغرب معا، فهو يمنح التنظيم الفرصة لقتل أعدائه مستخدما كل أنواع الوحشية التي لا يمكن لبشر تخيلها، ويحلل في الوقت ذاته الغرب من المسؤولية.
ويشير جونز إلى محمد
موازي، المعروف بـ"
الجهادي جون"، المرتبط بأشرطة القتل التي بثها التنظيم لرهائنه الغربيين. ويقول جونز إن موازي وصل من ناحية الشهرة إلى منزلة زعيم تنظيم القاعدة أسامة
بن لادن، وربما فرح الطالب السابق في جامعة ويستمنستر بأنه أصبح رمز الشر وأيقونة الوحشية والسمعة السيئة، التي قوبلت بالتبجيل من أتباع تنظيم الدولة.
ويبين الكاتب أنه في هذا الجو، فإن مستوى الفهم يذهب أبعد من كونه وغيره "أصيبوا بداء أيديولوجية مسمومة"، وكانت مبررا لوحشيتهم.
ويضيف جونز: "لا أعرف كيف أصبح موازي متشددا، وأي شخص يدعي هذا فهو أحمق ومخادع، وبالتأكيد لابد من فحص العوامل كلها؛ لأن أسباب تحوله إلى التشدد تصب لصالح تنظيم الدولة".
وهنا يتساءل الكاتب إن "كان فحص دور فرساي والأزمة الاقتصادية في صعود النازية يعني أنها كانت مبررا لها؟ وإن قدمنا السياق لأشهر أيديولوجية بربرية في التاريخ، فلماذا لا نطبقه على الآخرين؟".
ويرى جونز أن ما يجعل هذا كله مثارا للسخرية هو موقف الغرب غير المنسجم تجاه الجهادية. ويعود ويذكر بالدور الذي أداه الغرب في تمويل وتسليح الجهاديين في الثمانينيات من القرن الماضي أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان، حيث نشأت أول جماعة جهادية دولية قامت بتصدير إرهابها، وتساءل عن الأنظمة العربية التي يقوم الغرب بتسليحها، التي تقوم بتصدير أيديولوجيات أصولية وتدعم الجهاديين أيضا.
ويقول الكاتب: "كنا نعرف أن الجهاديين يقاتلون نظام معمر القذافي عام 2011. وأصبحنا ونحن نقصف ليبيا بالطائرات حلفاءهم الفعليين، وبفضل التدخل الغربي، فهناك أجزاء كبيرة من ليبيا واقعة الآن تحت سيطرتهم".
ويتابع جونز: "دعونا نتوقف عن التظاهر، فنحن من دعم الجهاديين في سوريا. فعندما تم الإفراج عن ثيو باندوز (صحافي أمريكي اختطف عام 2012، وظل في الأسر ما يزيد على عامين)، بعد أن اختطفته جبهة النصرة، قام بتدمير الأسطورة من أن حلفاءنا (المعتدلين) من الجيش السوري هم مختلفون عن الجهاديين. فقد أعادوه مرتين إلى خاطفيه. وتشير المقالات التي تعود إلى عام 2012 إلى أن الغرب كان يعرف من يقوم بدعم الجهاديين، وهم حلفاؤه في دول الخليج".
ويلفت الكاتب إلى الطريقة التي يغير فيها الغرب تحالفاته، فالقذافي كان عدوا ثم أصبح صديقا ثم تحول إلى عدو. وإيران تحولت من عدو لدود إلى حليف، وهكذا، فالواقعية السياسية هي نوع من أنواع البراغماتية في عالم معقد.
ويرى جونز أن حربا استمرت 14 عاما على
الإرهاب أدت إلى إنتاج جماعات أصولية متطرفة أكثر من سابقاتها، ويقول إنه "لم يعد هناك حديث عقلاني حول أسباب وحلول المشكلة. فما علينا القول إلا أن تنظيم الدولة هو شر في أعلى حالاته، شر لم تشهد البشرية مثله من قبل، وترك الأمر كما هو. القصف والسجن، هذا هو الحل المنطقي، وأي شخص يقول غير هذا فهو اعتذاري أو خائن أو كلاهما. ما يعني استمرار العلاقة الرمزية بين الجهاديين والغرب".
ويجد الكاتب أن خطر الجهاديين مبالغ فيه، فهو ليس مثل الخطر الذي تمثله البراميل المتفجرة، فالأخيرة تنشر الرعب، وهي مصدر لرعب ووحشية لا مثيل لهما، فهي متفجرات تحتوي عادة على مواد حادة وشظايا تعمل على توسيع المذبحة، ويتم رميها من المروحيات من ارتفاع عال يجعل من دقة الضربة مستحيلا، ويقول: "يتم استخدامها من نظام بشار الأسد (حليفنا الفعلي)، دعونا نتوقف عن التظاهر بغير ذلك، واستخدمتها الحكومة العراقية حتى وقت قريب. وقتلت البراميل المتفجرة في عام واحد 6 آلاف مدني سوري، ثلثهم تقريبا من الأطفال والنساء".
ويستدرك جونز بأن نظام الأسد لا يتباهى بوحشيته، ولا يقوم بإنتاج أفلام فيديو بمؤثرات هوليوودية، تعتمد على الإيقاع البطيء واللقطات القريبة والموسيقى الموحشة وبدرجة عالية من الجودة. بل يتبنى النظام السوري النبرة ذاتها التي يستخدمها الغرب، مثلما فعل الأمريكيون عندما استخدموا الفسفور الأبيض الذي يحرق بشرة الإنسان في الفلوجة، حيث قالوا: "نعتذر للضحايا المدنيين، فهو قتل غير مقصود"، نحن لا نستهدف المدنيين مثلما يستهدفهم أعداؤنا.
ويعتقد الكاتب أن حجم الموت ربما كان أكبر، ولكن النوايا المزعومة مختلفة، "فعلى خلاف أعدائنا، نحن لا نستهدف المدنيين ونقتلهم، أما أعداؤنا فيفعلون ذلك، ونحتفظ بأخلاقياتنا العالية. ففي النهاية لا يقوم النظام الأسدي بإعدام الصحافيين الأجانب ويصور طريقة قتلهم. فتنظيم الدولة هو الخيار المهم والأيقونة الشيطانية، وهو الكابوس، وهو بالضبط ما يريده".
ويذهب جونز إلى أن "الفشل في زمن الحرب بالمشاركة وبحماسة منقطعة النظير في تشويه سمعة العدو رقم واحد يعدّ نوعا من الدفاع عن الشر، بل يقترب إلى الخيانة. وكان هذا هو الحال مع نظام الأسد في صيف عام 2013، بعد أن قيل إنه استخدم الغاز الكيماوي ضد الأبرياء المدنيين. وحلّ تنظيم الدولة الآن محل الأسد، وهي عبارة أورويلية (نسبة لجورج أوريل) مفادها: (نحن دائما في حرب مع..)، وهذا لا يعني أن تنظيم الدولة ومقاتليه ليسوا برابرة تجب هزيمتهم، وحتى لو اختلفنا في كيفية هزيمتهم، ولكن الموضة أصبحت هي وصف التنظيم بأنه الأكثر شرا وهو ما يريدونه، لأنه يسمح لهم بقتل أعدائهم الذين يسكنهم الرعب ويهربون منهم، ولأنه يعزز صورتهم بين المتعاطفين معهم والراغبين بتجنيدهم".
ويمضي الكاتب قائلا: "خذ مثلا ما كتبه كاتب عمود في صحيفة بريطانية (في تنظيم الدولة نجد مستوى من الوحشية تجاه الإنسانية، أملنا في مرحلة ما بعد النازية ألا نراه مرة أخرى)، حقا؟ ماذا عن بول بوت وحقول الموت التي أقامها، والقتل الجماعي للملايين في إندونيسيا في ستينيات القرن الماضي، التي حولت لون الأنهار إلى أحمر قان؟ وماذا عن الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي قتل فيها ستة ملايين، وأكل فيها لحم البشر؟ وماذا عن القنابل السجادية التي استخدمتها الولايات المتحدة في فيتنام ولاوس وكمبوديا؟".
ويخلص جونز إلى أن "تنظيم الدولة يقوم بقطع الرؤوس تماما كما تقطع رؤوس العصاة في السعودية، وفي النهاية فمن مصلحة الغرب وتنظيم الدولة إضفاء طابع من الإرهاب الخارق للتنظيم".