تثير
دبابات الاحتلال الإسرائيلي ضوضاء تعكر صفو الحياة اليومية لسكان الشريط الحدودي على امتداد قطاع غزة، وتضاعف قسوة الأوضاع الإنسانية والمعيشية التي يكابدونها.
ولا يوجد على امتداد الشريط من رفح جنوبًا حتى بيت حانون شمالاً، منطقة آمنة بعيدة عن مرمى قذائف الموت الإسرائيلية، ما يضاعف خوف السكان العائدين لبيوتهم بعد
الحرب الأخيرة على القطاع، إذ إن في كل حركة للآليات العسكرية الإسرائيلية تهديد لحياتهم.
هُدم بيته مرتين
يقول المواطن الذي يقيم في منطقة الفراحين على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، عبدالله قديح: "لا تخلو حياتنا من التوتر والقلق بفعل ممارسات الاحتلال اليومية من توغل وإطلاق نار، حيث نخشى على أرواحنا من الرصاص العشوائي اليومي، بالإضافة إلى المداهمات والاعتقالات".
وأضاف قديح (39 عاماً) الذي هدم منزله خلال الحرب الأخيرة، لـ"عربي21"، أن الاحتلال "يحاول من خلال ممارساته البشعة؛ إخلاء المنطقة الحدودية، وإجبار السكان على هجرها"، مؤكداً: "لن أرحل من هنا، وكلّما هُدم بيتي سأُعمره".
ويبعد ركام منزل قديح - الذي سبق أن شيده نهاية عام 2013 ولم يسعد به أكثر من عام - عن الحدود 300 متر، ما يجعل خيمته التي أقامها على أنقاضه عرضة لنيران الدبابات الإسرائيلية.
وأشار قديح إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية أصبحت جزءًا من
معاناة الأهالي اليومية، التي يضاف إليها عدم توفر الخدمات الأساسية كالمياه الصالحة للشرب، والكهرباء، فضلاً عن شبكة الصرف الصحي التي دمرت بفعل العدوان الأخير على غزة.
معاناة الطلبة
ومع الاقتراب أكثر من الشريط الحدودي، فقد التقت "عربي21"، بالطالبتين نادية أبو عابد وسوزان أبو هجرس، أثناء عودتهما من المدرسة، وعلامات الإرهاق تبدو على ملامحهما، ومشهد الركام ومخلفات القصف تخيم على المكان.
قالت نادية: "اعتدنا على الحياة هنا، وألفنا تفاصيلها المرعبة.. أحياناً نتحايل عليها بالذكريات الجميلة، وأحياناً بالإصرار على
البقاء".
أما سوزان فقالت: "الموت يحيط بنا، والطائرات لا تكفّ عن التحليق، والكلاب الضالة تهاجم السكان في كل مساء".
وتحتاج الطالبتان للمشي مسافة كيلومتر يومياً لتتمكنا من الوصول إلى مدرستهما الثانوية، وتأمل نادية في أن تتمكن من الالتحاق بالجامعة، لأنها في معركة البقاء تصارع الاحتلال بالعلم والأمل، وترفض الاستسلام لمشاعر الخوف، كما تقول.
امرأة مكافحة
ورغم المعاناة التي تعيش تفاصيلها الفلسطينية نور أبو جامع (48 عاماً) على الشروط الحدودي؛ إلا أنها رفضت التسليم للاحتلال، وراحت تصنع من طين الأرض أفران الطابون التي تبيعها مقابل "ثمن زهيد" يوفر لها أدنى متطلبات الحياة الكريمة.
وقالت أبو جامع لـ"عربي21" إن "تكاليف الحياة صعبة جداً، والأصعب هو مواجهة الموت بالرصاص يومياً على امتداد الشريط الحدودي".
وشكت من عدم قرب الخدمات الصحية؛ حيث إنها تضطر لقطع مسافة طويلة للوصول إلى بلدة عبسان الجديدة الواقعة على الحدود، لتحصل على ما يلزمها وزوجها وحماتها المقعدة من أدوية.
وتزداد معدلات الفقر لدى سكان المنطقة الحدودية نتيجة انعدام فرص العمل؛ إلا في الزراعة التي تواجه حرباً شرسة من آليات الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذا السياق، تقول أبو جامع: "يتلقى زوجي مساعدة دورية من وزارة الشؤون الاجتماعية، لكنه منذ أربعة أشهر لم يحصل عليها".
وتسببت دولة الاحتلال بقرارها منع تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، بتأخر دفع مستحقات 71 ألف أسرة فلسطينية، تستفيد من برنامج الحماية الاجتماعية، وذلك بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة.
وحول التهديدات الإسرائيلية لسكان المناطق الحدودية؛ تستذكر أبو جامع ما حدث معها خلال الحرب الأخيرة على غزة، وتقول: "كنت عائدة لمنزلي بعد جلب بعض احتياجات أبنائي، ومن هول ما رأيت من دمار سقطت على الأرض، ولم أستطع الوقوف، وكانت
طائرات الاحتلال تطلق رصاصها بشكل عشوائي على كل متحرك.. لم أحتمل حينها المشهد، وغبت عن الوعي".
وقالت إن بيتها لم يسلم أيضاً هذه الأيام من رصاص الأبراج العسكرية الإسرائيلية المتمركزة على الشريط الحدودي، مشيرة إلى أن "جدران البيت مثقوبة بفعل اختراق الرصاص، وكذلك خزان المياه".
وكانت دولة الاحتلال قد شنت في السابع من تموز/ يوليو الماضي حرباً على قطاع غزة، استمرت 51 يوماً، أدت إلى استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني، وإصابة نحو 11 ألفاً آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. وأعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، أن إجمالي الوحدات السكنية المتضررة جراء هذه الحرب بلغ 28 ألفاً و366 وحدة.
ووفق بيانات أممية؛ فإن هذه الحرب تسببت بتشريد نحو 100 ألف فلسطيني، يقيم أغلبهم لدى أقاربهم، أو يستأجرون منازل، بينما ما زال نحو 15 ألف نازح يقيمون في المدارس التابعة لـ"أونروا" ويتخذونها مراكز "إيواء".
وتعهدت دول عربية ودولية في تشرين أول/ أكتوبر الماضي؛ بتقديم نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريباً سيخصص لإعمار غزة، فيما سيصرف النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن إعمار القطاع وترميم آثار ما خلّفته الحرب الأخيرة، لم يبدأ بعد.