حققت السياسة
الإيرانية - الأسدية، مكاسب مبدئية في الحرب داخل الأراضي السورية، ومن أهم هذه المكاسب تحويل الثورة الشعبية السورية إلى
حرب أهلية - طائفية.
تعود أهمية تحول الثورة في
سوريا من ثورة شعبية ضد نظام إجرامي فاسد إلى حرب أهلية - طائفية إلى عدة نقاط أهمها استبعادها عن أي قرار أممي بالتدخل الخارجي، أو حتى إمكانية تدخل قوات حلف الناتو لإنهاء الصراع على الأراضي السورية، وبالتالي تمكين نظام الأسد من تجميع إمكاناته العسكرية، والضرب بحرية كبيرة، دون أن تتعدى ردات فعل المجتمع الدولي الاستنكار والشجب والقلق، وهذا تحديداً ما لمسناه على أرض الواقع خلال أربع سنوات من الصراع الدموي.
وبسرد مختصر، لمراحل هذا التحول في المشهد، نسترجع: منذ انطلاق شرارة الثورة على الأراضي السورية أطلق نظام الأسد شبيحة، ومن ثم استعان بالشرطة والجيش، وبعدها بدأ عملياته العسكرية داخل المدن الآمنة، لينتقل إلى مرحلة الاستعانة بعلاقته الودية مع نظام إيران وميليشيات
حزب الله، وإطلاق يدها من أجل التدخل للقتال داخل المدن السورية تحت جناح الأسد، صفاً بصف مع مرتزقته.
لكن المشهد بدأ يتغير تدريجياً، لنشهد اليوم تكوين تنظيم جديد وهيكلية متداخلة ومترابطة داخل المؤسسات العسكرية، وتطوراً في بنية العلاقات الأمنية بين نظام الأسد وإيران، نتج عنه تنظيم إرهابي استيطاني شيعي داخل الأراضي السورية.
تغيرات بنيوية واضحة ومؤثرة في الشكل والمضمون، تدفعنا إلى العمل على تجديد طرق تعاطينا وتفاعلنا معها، والتركيز في البحث حول انعكاساتها وتداعياتها بهدف دفع المجتمع الدولي لتبنيه كواقع مدان ضمن هذه الصيغة.
انطلاقاً من إحصائيات دقيقة لأعداد المقاتلين الإيران والشيعة، داخل صفوف ذبّيحة الأسد ومرتزقته، نجد أن نسبه أعداد المقاتلين السوريين لا تشكل أكثر من 1\5 من عدد عناصر جيش الأسد، وفي بعض المناطق قد تنعدم نسبة السوريين المشاركين في المعارك.
إذاً.. لم يعد من المقبول وصف المعارك التي تحدث في سوريا بأنها حرب أهلية يمكن التعاطي معها بالحلول السياسية، كما هو متعارف عليه من قبل المجتمع الدولي الذي يتجنب أي تدخل عسكري في حالات الحروب الأهليه، ويعمل على تهدئة الأوضاع الداخلية للدولة المتصارعة أهلياً، من خلال موائد الحوار التي تقسم فيها السلطات وتنظم على أساسها أمور الحكم والسلطة.
أرقام تقديرية تشير إلى أن أكثر من عشرين ألف مقاتل إيراني، وما يزيد عن عشرة آلاف مقاتل من مليشيات حزب الله اللبناني اليوم في سوريا، يجتاحون المدن ويذبحون الأبرياء والأطفال، ويسرقون، ويغتصبون (الذكور والإناث)، ويتعدون على حرمات البيوت والمساجد، ويمارسون أبشع أنواع التعذيب على المعتقلين السوريين في السجون.
واليوم يزداد المشهد عنفاً في حلب ودرعا وحوران، حيث أقامت قيادات هؤلاء المرتزقة جسراً جوياً لمد المقاتلين المعتدين على أهل حوران، في معركة يسمونها بمعركة الحسم، بقيادة قاسم سليمان وعدد من قادة الميليشيات التابعة لحزب الله، استقدموا ما يزيد عن أربعة آلاف من المرتزقة الأجانب للمشاركة في حرب لفتح الطريق الواصل بين دمشق ودرعا على الحدود الأردنية !
فهل هذا يدخل ضمن باب الحروب الأهلية؟ وهل ينصف المجتمع الدولي شعب سوريا إذا ما لم يتحرك بشكل فوري و بموجب قانون الأمن الدولي، في مثل هذه العمليات الاستيطانية، أم إنه يباركها، وخصوصاً بأنها وفي حال تمكنت من بسط سيطرتها على مدينة حوران ودرعا، ستؤمن المنطقة وتجنبها اجتياح تنظيم الدولة الذي بات من المعروف عنه تجنبه دخول المناطق التي تقع ضمن الحماية الإيرانية - الأسدية.
بدءاً من الحرس الثوري الإيراني إلى عصابات حزب الله اللبناني، أكثر من 14 لواء وكتيبة وفوجاً ومنظمة اليوم يقاتلون ضد الشعب السوري.
خبراء وقياديون، يسيرون العمليات القتالية في سوريا، يخططون وينفذون بحرية كاملة، فلم يعد الأسد قادراً على فرض أي نفوذ يذكر، حتى داخل المناطق التي يقال إنها تحت سيطرته.
إن دور الأسد اليوم، لا يتعدى أن يكون مديراً إدارياً لمؤسسات الدولة وشؤونها العامة في صورة هوية سورية، لإكساب الصفة الشرعية والصبغة الدولية القانونية للاجتياح الإيراني السافر للأراضي السورية.
من السذاجة التفكير بأن سجلات أجهزة الاستخبارات الأمريكية لا تملك التفاصيل الدقيقة عما يجري في سوريا اليوم، ولكن يبدو أن الأهداف المعتم عليها في الاستراتيجية المحددة لإدارة الشرق الأوسط بدأت تظهر جلية شيئاً فشيئاً.
فقد أنهت دور جيش الأسد بعد أن مزقته الحرب بين قتيل وأسير وهارب ومنشق، وبالتالي انتزعت السلطة فعلياً من الأسد، والفرصة الثمينة اليوم أن تعتمد على الجيش الإيراني لإماطة عمر الصراع المسلح في سوريا من جهة، والحد من التهديد الإيراني كقوة عسكرية منافسة من جهة أخرى، وكم يبدو ذلك سهلاً، عبر إنهاكه في معارك مع الجيش الحر اليوم، ومن ثم مع تنظيم الدولة وما قد يخرج من الأرض السورية لاحقاً من تنظيمات هي أدرى بكيفية ظهورها وزمنه.
لا نعتقد أنه من الحكمة التفكير بأن الإدارة الأمريكية اليوم تسعى لمنح إيران فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها وقدراتها ومواردها العسكرية والاقتصادية، وخصوصاً أن المناطق التي تحارب فيها مناطق غنية بالذهب الأسود، ولكننا نجد أن الإدارة الأمريكية تسعى لإرهاق القوة الإيرانية وإضعافها.
فنحن نشهد اليوم التدخل الإيراني في اليمن والعراق وسوريا، والعديد من الأراضي العربية، ولكن ربما هو زج بإيران في هذه الأراضي المشتعلة بالصراعات المتعددة الأطراف والمعقدة والمسلحة، ذات الأغلبية السنية، رغبة منها في أن تكون هذه الأراضي مقبرة للحلم الإيراني.