منذ اليوم الأول لظهور ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "
داعش" لم أصدق أو أستطع ابتلاع وجود هكذا تنظيم في ذلك التوقيت المريب؛ حيث حصار حراك الشعوب العربية الثائرة (فيما يُعرف بثورات
الربيع العربي) ضد فراعينها، التي أُريد لها أن تتحول إلى خريف بل وشتاء قارس.
وفي تلك المنطقة من المشرق الإسلامي الملتهب الذي تكالبت عليه شياطين الداخل والخارج، لتكون ملعباً لصراعات سياسية إقليمية ودولية قذرة لتحقيق مكاسب رخيصة على حساب مصالح شعوب تلك المنطقة، ليكون الهدف الأسمى هو تفتيتها وتمزيقها على أساس طائفي مذهبي، وامتصاص ثرواتها الهائلة، لكن المحزن والمؤسف أن تتورط أنظمة عربية وإسلامية في تلك اللعبة الجهنمية.
اهتز العالم "الحر" عند سقوط ضحايا الصحيفة الفرنسية الباريسية الصفراء "شارل إيبدو" في السابع من يناير من بداية العام الجاري، فقط لأن المعتدي مسلم، فتم اتهام الإسلام بوصفه ديانة أوتوماتيكياً، ولعب الإعلام الغربي المسيحي المُتصهين على هذا الوتر، ومعه الإعلام العربي الرسمي والموجه التابع للغرب بطبيعة الحال، حيث استغلت القوى الغربية -وفي مقدمتها الولايات المتحدة- الحادث لشن المزيد من الهجمات على معاقل السنة في العراق تحت دعوى الحرب على داعش، انتقاماً لدماء الأبرياء من جانب، وتطويق الربيع العربي، بل والعمل على إجهاضه والإجهاز عليه تماماً مادام يصطبغ بالصبغة الإسلامية من جانبٍ آخر.
علمتنا التجربة أن الغرب لا ينتفض إلا لضحاياه، أو ضحايا العرب من غير المسلمين فقط، حتى لو كانوا حجرا إلاّ أن يكونوا مسلمين!
فهؤلاء لا يستحقون سوى القتل أو الاتهام بالقتل! فصار مصطلح الإرهاب مرادفا للمسلم، وملاصقا بالضرورة لديانة الإسلام!..فسكت عمدا عن مقتل الطلاب المسلمين الثلاثة (9 فبراير)الجاري في(تشابيل هل) بولاية كارولينا الشمالية، وضنت الصحافة الغربية إلا فيما ندر بتغطية مهنية تحترم آدمية الضحايا، وتنتصر للإنسان في المقام الأول! بل نفت في أغلبها تصنيف الحادث على أساس طائفي، رغم أنه طائفي بامتياز!
فقط لأن المجني عليه مسلم والجاني مسيحي أو يهودي، وعندما كان الضحية مسلماً كما في حالة الطيار الأردني "
معاذ الكساسبة"، الذي أعدمه تنظيم داعش "الافتراضي"، أدان الغرب الحادث من منطلق براجماتي بحت تم توظيفه لصالح حملته على العالم العربي والإسلامي في إطار ما يسمي (
التحالف الدولي للحرب على الإرهاب)! هكذا يتعامل الغرب بازدواجية مهينة مع قضايا المسلمين!
ما يعزز لديّ هذا الشعور بالشك والريبة تجاه وجود تنظيم "داعش" بالأساس هو إيماني بأن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فإن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وجود هكذا تنظيم (إسلامي بالطبع)، حتى يتم استدراج الأنظمة العربية والإسلامية، وربما بدفعها والضغط عليها للدخول في تحالفٍ كهذا ضد ما يُسمى بالإرهاب، لشرعنة تلك الحرب، حتى لا يكون الغرب وحده في الواجهة، وبالتالي ضمان عدم هيمنته (أي الغرب) على تحرك دولي ضد تنظيم(إسلامي) بهدف إبعاد فكرة إحياء (الحروب الصليبية) سيئة السمعة على الذهنية العربية الإسلامية.
ذلك أنه قد سبق لضابط كبير في جهاز الاستخبارات البريطانية في جهاز مكافحة الإرهاب، يدعى "تشارلز شويبردج"، أن صرّح لقناة "روسيا اليوم" بتاريخ (9 أكتوبر 2014) تصريحاً غاية في الخطورة والدلالة تكشف حقيقة هذا التنظيم كما عرضه موقع "روسيا اليوم" تحت عنوان "هكذا صنعنا داعش، وهكذا نقرع طبول الحرب ضدها"، حيث أكد الرجل أن وكالة المخابرات الأمريكية "سي آي إيه" والاستخبارات البريطانية دفعتا دولا خليجية لتمويل تنظيمات مسلحة وتسليحها، وفي مقدمتها داعش.
وقال شويبردج إن الاستخبارات البريطانية والأمريكية تقفان وراء كل الأحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول في الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق وليبيا. وكشف الضابط البريطاني السابق عن تفاصيل أخرى مثيرة عن دور واشنطن ولندن في صناعة الإرهاب.
وقبل أن نسدل ستار "داعش" لابد أن نطرح سؤالين، لكنهما في سؤالٍ واحد ربما يكشف حقيقة ذلك التنظيم(الافتراضي)..لماذا لم تحدث مواجهات حقيقية تذكر بين قوات بشار الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا؟! ولماذا لم تتعرض معسكرات داعش لأي هجوم أو قصف من قبل قوات وطيران اللواء الليبي المتقاعد "خليفة حفتر"، رغم قصفه لشرق وغرب وجنوب ليبيا، بل على العكس تماماً يحظى التنظيم بحماية مريبة ومثيرة للشكوك من قبل قوات الجنرال حفتر؟!
أرجو أن تكون قد وصلت الرسالة لكل من ألقى السمع وهو شهيد.