ظهر زعيم تيار
المستقبل سعد
الحريري في ذكرى اغتيال والده العاشرة بصورة جديدة لم يعتد عليها جمهوره خلال خطاباته السابقة، سواء من حيث الشكل والمضمون، وتحديدا في اعتماد تصعيد الخطاب ضد
حزب الله وسياساته الداخلية والخارجية.
فالإطلالة التي سبقها ترويج وحشد إعلامي على وسائل التيار المرئية والمسموعة والإلكترونية، جاءت في وقت تعالت فيه التساؤلات لدى جمهور التيار وأبناء الطائفة السنية من جدوى خمسة جلسات حوار مع حزب الله.
الحريري قدم في خطابه إجابات لجمهوره عن تساؤلات عدة، إن كان على صعيد الشأن الداخلي المتعلقة بالحوار والملفات العالقة، وإن كان على صعيد الموقف من التغيرات الإقليمية المحيطة بلبنان، غير أن مراقبين يطرحون تساؤلات عن قدرة الحريري على إقناع شارعه بخطابين متناقضين، الأول يهاجم حزب الله والثاني يتمسك بالحوار معه.
رسائل إقليمية مرتبطة بالداخل
ويرى الكاتب في صحيفة "اللواء"، محمد الحسن أن "إيجابية الخطاب" تنبع من كونه بدأ بالإشارة إلى ارتباط
لبنان بالدول العربية، وتحديدا المملكة العربية السعودية، وفي هذا "دلالة على التواصل اللبناني-العربي خاصة مع دول مثل السعودية، قد يسقطه بعض من حساباته لكنه أمر أساسي خاصة عندما تحدث عن رفض احتقار الجامعة العربية وأن لبنان لا ينتمي لأي محور"، في إشارة إلى ما جاء في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ويضيف الحسن في حديثه لـ"عربي21" أن سعد الحريري "يريد أن يستفيد من الحرص العربي على الاستقرار في لبنان، وهو بذلك يمارس دوره السياسي كزعيم للسنة في لبنان"، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الرياض "تريد أن يمضي لبنان بمسار خدمة الاستقرار في المنطقة، وهو ما عبر عنه السفير السعودي في بيروت في أكثر من مناسبة، فالرياض دعمت الحوار مع حزب الله في أكثر من مناسبة".
في المقابل يذهب الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر في تناول الرسائل الإقليمية لخطاب الحريري إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يرى أن هذه الرسائل "ربما تكون قد أوكلت للحريري ليمررها في خطابه".
ويؤكد عبدالساتر في حديثه لـ"عربي21" أن "الواقع اللبناني لم يعد واقعا محليا صرفا، فالكل يدلي بمواقف إقليمية يستند إليها من هم نافذون في هذا الإقليم".
العلاقة مع حزب الله
وبخصوص ما حرص الحريري تأكيده في خطابه بشأن العلاقة مع حزب الله، يرى الكاتب محمد الحسن أن الحريري "أراد في خطابه تحديد مبادئ الحوار مع الحزب"، موضحا أن هذا التحديد هو في التوقيت المطلوب لأن البعض في الشارع السني يتساءل عن المغزى من هذا الحوار خاصة "أن التيار كان يناوئ الحزب وسياساته".
ويؤكد الحسن أن الحريري "ذهب لتبرير هذا الحوار وتحديد مبادئه، على الرغم من الاعتراضات التي أكدها بشأن سياسة الحزب في سوريا والبحرين وأراد أن يعطي شارعه الذي -انتقده بعض الشيء بسبب العودة للحوار مع الحزب- أسبابا موجبة، من خلال تحديد مبادئ عملية ومطلوبة يريدها الشارع اللبناني والسنة في لبنان".
ويتفق عبد الساتر مع الحسن فيما ذهب إليه بأهمية الحوار، إذ يؤكد أن أهم رسالة أراد الحريري إيصالها هي أن "التيار وكل من يدور في فلكه مستمر في الحوار مع حزب الله بغض النظر عن لغة التصعيد والجُمل التي وردت في الخطاب".
غير أن ثمة من يرى أن هناك تناقضا في خطاب الحريري في إشارة إلى مهاجمة الحزب والتمسك بالحوار معه، وهو ما يعلق عليه الحسن بالقول إن المطلوب الآن "سحب فتيل التشنج والأزمة المذهبية"، لافتا إلى أن "هذا ما أكدت عليه قيادات في حزب الله مؤخرا، وهي مواقف يتشاركون فيها مع القضايا التي تمسك بها الحريري بالتاكيد على الحوار ومواجهة الإرهاب ودور الجيش اللبناني".
تبرير يضعه عبد الساتر في إطاره الطبيعي بالقول إنه "اذا لم يحاول (الحريري) أن يصعّد فكيف سيشد جمهوره إليه"، معتبرا أن من وظيفة الخطاب الموجه للرأي العام أن يكون هناك شيء من هذا التناقض".
وما بين تبرير الحسن ورأي عبد الساتر، يرى الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير أن الحريري في خطابه حاول أن يجمع بين أمرين، "فمن ناحية تأكيد مواقفه المبدئية والخلافية مع حزب الله حول المحكمة الدولية والوضع السوري والصراع مع إسرائيل والوضع الداخلي، وبين حرصه على استمرار الحوار نظرا لأهمية الحوار كحاجة إسلامية وخارجية".
ويرى قصير في حديثه لـ"عربي21" أن الحريري كان في خطابه يهدف إلى "الحفاظ على جمهور المستقبل والعلاقة مع الحلفاء والتأكيد أن الحوار مع الحزب لا يؤدي للتراجع عن دور المستقبل"، ويلفت إلى أن التصعيد ضد الحزب إنما "هو تصعيد في الموقف ولا يؤثر على الحوار وهو حاجة داخلية وخارجية لسعد الحريري وللمستقبل ولا يترك أي أثر عملي".
بانتظار رد نصر الله
وبينما لم تظهر مواقف واضحة لحزب الله على الرسائل التي أطلقها الحريري، ينتظر المراقبون الإطلالة المقبلة للأمين العام للحزب حسن نصر الله الاثنين المقبل في "ذكرى الشهداء القادة المقاومين".
وفي هذا الشأن يدعو الكاتب محمد الحسن إلى التمهل في الحكم على ما قد يصدر عن حزب الله من مواقف على رسائل الحريري لنرى "إن أسهمت في دفع العلاقة بالحزب إلى الأمام او أعادتها للخلف".
بدوره يستبعد الكاتب عبد الساتر أن يقوم نصر الله بالرد في ذات السياق الذي جاء فيه خطاب الحريري، و"اعتقد أن السيد نصر الله سيصر بدوره على استمرار الحوار وسيأتي على ذكرى الشهيد الحريري".
من ناحيته يربط الكاتب قصير أي تغيير في رؤية حزب الله على قاعدة ما جاء في خطاب الحريري "بانتظار وضوح الرؤية إقليميا وسوريا"، مشيرا إلى أن الحزب "حريص على الاستمرار بالحوار ولن يغير في مواقفه السياسية حاليا، وسيحاول أن يستوعب الخطاب وعدم التصعيد لأن لا مصلحة للحزب بالتصعيد طالما أن مواقف الحريري ليس لها أي مفعول عملي".