الساعة تشير إلى الرابعة إلا قليلا من مساء يوم شتوي، تعاند برودته حرارة حماس يعلن قدومه، عبر مجموعة، هي على بعد أمتار، من الفتية والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والخامسة والعشرين.
يتوجهون إلى مركز الشباب (مؤسسة حكومية مفتوحة في وجه الجمعيات الشبابية) الموجود في منطقتهم، مرتدين ملابسهم الرياضية، لممارسة
رياضة دفعتهم للتخلي عن دفء بيوتهم، حبا في "
الباركور".
رياضة حديثة النشأة، ظهرت حركتها الأولى بفرنسا على يد "دافيد بيل" و"سيباستيان فوكان" وكذلك أعضاء فيلم "ياماكازي" في تسعينيات القرن الماضي، لتحقق بعد ذلك انتشارا في العالم بأسره، خاصة في أوساط الشباب. وكان للمغرب نصيب من هذه الموجة.
ياسين حاول نقل تجربته في رياضة "الباركور" إلى شباب جيله، غير أنه لم يلق الحماس الذي كان يتوقعه، ويشرح ذلك قائلا: "أسست العديد من المجموعات، لكن أعضاءها سرعان ما انفضوا من حولي وتركوني وحيدا في نصف الطريق، رغم ذلك مضيت قدما، لأن عزيمتي كانت أقوى".
ويضيف الرباطي: "والدي كان معارضا لممارستي هذه الرياضة، لكنني استطعت إتمام المشوار إلى حين أسست منذ شهرين جمعية (آد آرتست)، وهي الأولى من نوعها في لعبة (الباركور) بالعاصمة الرباط".
وأضاف أن "اللعبة تجمع بين الجمباز والفنون القتالية، والغرض منها الانتقال من مكان إلى آخر بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، وذلك باستخدام القدرات البدنية".
خطورة وصعوبة حركاتها صنفتها ضمن قائمة الرياضات المتطرفة، لكن هذه الصفة لم تمنع العديد من الأطفال والمراهقين من الالتحاق بالجمعية، بل إنها زادت تعطشهم إلى التوغل في تقنياتها وحركاتها.
في مدخل المركز، تجد الجميع منهمكين في
التمارين، والقفز من منصة إلى أخرى على الحواجز المتناثرة حول الملعب، التي تضاهي الأسوار والأسطحة والقضبان والأشجار والصخور وغيرها، علاوة على أصوات المتمرنين الصغار. ويصدح المدرب بصوت جوهري، ليحفزهم على القفز بقوة على الحواجز التي يتفاخرون بتجاوزها بسلاسة وفنية عاليتين، حتى ينالوا التشجيع والتنويه من مدربهم "بابا الحاج".
"بابا الحاج" (25 سنة)، من القلائل الذين ساندوا ياسين الرباطي في مسار تأسيس جمعية "الباركور" حيث إنه يقضي فيها جل أوقاته.
يقول الرباطي بصوت خافت وكلمات متقطعة: "الباركور نمط عيش، فحياتي تتمحور حول هذه اللعبة، فهي بالنسبة لنا أسلوب عيش وسنظل مخلصين لها".
ويضيف الرباطي، بنفس العزيمة والإصرار المتقدين في عينيه: "الباركور حاضر معي في كل لحظة، لا يغيب عن مخيلتي، في الشارع، البيت، الحافلة.. فأنا دائم التفكير في الحواجز وكيف يمكنني تجاوزها، وعند القفز من نقطة إلى أخرى فإنه يراودني إحساس البطل".
ويشرح رئيس الجمعية، قائلا إن "الإمكانات جد ضعيفة ونشتغل بأدواتنا الخاصة، ونقوم بشراء المواد الأولية بفضل مساهمات الأعضاء، لكن رغم كل هذا، فإن إرادتنا أقوى من كل الصعاب، لأن وقودنا هو الشغف".
وما يزيد من الحماسة، تزايد انخراط فئة الصغار في جمعية "الباركور" ليشبعوا شغفهم بلعبة المخاطر التي أسرتهم بحركاتها الخارجة على المألوف وتحاكي حركات الأبطال من قبيل سبايدرمان.. ما يدفع العديد من الأسر إلى التوجه للجمعية بعد إلحاح شديد من أطفالهم، بحسب الرباطي.