بهذين التساؤلين أجملت صحيفة "
يديعوت"، الأحد، قصتها الكاملة لرواية التفاصيل المثيرة لاغتيال القيادي بحزب الله
عماد مغنية في سوريا.
السؤال الأول يتمثل في أنّه: إذا كان
الموساد هو الذي نجح في العثور على مغنية وتشخيصه، فأين الحاجة للأمريكيين؟ مرجحة أن الإجابة المحتملة عن هذا السؤال تتمثل في ما هو موجود للأمريكيين في دمشق وليس موجودا لإسرائيل، ألا وهو السفارة. إذ إنه يمكن أن يرسل إليها بريد دبلوماسي، كما أن وجود رجالها شرعي في دمشق، ويمكنها أن تكون عنوانا للجوء في ساعة الهروب.
والسؤال الثاني: كيف نجح الموساد في الوصول إلى مغنية الذي حافظ على مدى السنين على انضباط أمني ميداني حريص واستخدم شخصية خفية، حتى في دمشق التي تعتبر آمنة؟ وأكدت الصحيفة أنّ كل ما نشر في هذا الشأن في السنوات الأخيرة لا يقترب من الحقيقة.
وارتكزت "يديعوت" في روايتها للقصة على ما قام به صحفيان أمريكيان كبيران يعنيان بمواضيع الاستخبارات، هما جيف ستاين من "نيوزويك" وآدم غولدمن من "واشنطن بوست"، اللذان أخذا يرويان للأصدقاء والزملاء أنهما يعملان على سبق صحفي جدي: الولايات المتحدة كانت الجهة الرائدة بحسب ستاين، أو الشريكة المركزية بحسب غولدمن، في اغتيال مسؤول حزب الله الكبير عماد مغنية.
وأضافت الصحيفة أنه مع حلول الذكرى السنوية السابعة للتصفية، فقد نشر الصحفيان بالتوازي تحقيقيهما مفصلين عن العملية، من مرحلة التخطيط وحتى الضغط على الزر الذي شغل المادة المتفجرة.
ونوهت إلى أنّه في تقرير ستاين في "نيوزويك" يوصف الموساد الذي تنسب إليه العملية حتى الآن، بصفته الجهة التي حددت الهدف لـ"
سي آي إيه"، وكانت آخر من شخصت مغنية قبل الانفجار، بينما نفذت الاستخبارات الأمريكية معظم العمل. وحسب تقرير غولدمن، فإن الحديث يدور عن حملة مشتركة جلب فيها كل واحد من المشاركين تجربته وقدرته إلى الطاولة.
وقالت "يديعوت"، بحسب التحقيق في "واشنطن بوست"، إنه في ليل 18 شباط/ فبراير 2008، سار مغنية نحو سيارته في حي كفر سوسا في دمشق بعد أن أنهى وجبة العشاء في مطعم محلي. وكانت خلية من عملاء "سي آي إيه" في الميدان، ولاحقته. وعندما مر بجانب سيارة الجيب، انفجرت عبوة ناسفة صغيرة كانت مزروعة في دولاب الاحتياط في الخلف. فقتل مغنية على الفور. أما العبوة، فقد شغلها رجال الموساد الذين كانوا يجلسون في تل أبيب، وفقا لما كتب غولدمن، وكانوا على اتصال مع خلية المراقبة في دمشق.
وقال مصدر أمريكي أجرى معد التقرير لقاء صحفيا معه، إن "الإسرائيليين طلبوا الضغط على الزناد، وكان هذا انتقامهم".
بروفات العملية
وقبل العملية، جرت في منشأة سرية تابعة لـ"سي آي إيه" في هارفي بوينت شمال كارولاينا، سلسلة تجارب على المادة المتفجرة التي ستستخدم في تصفية مغنية. وقال مصدر أمريكي: "فجرنا 25 قنبلة كي نتأكد من أن العبوة ستلحق ضررا موضعيا فقط ولن تلحق الأذى بالأبرياء". وفي التحقيق الصحفي لم يذكر من الذي زرع القنبلة، وما إذا كان هناك عملاء إسرائيليون في الميدان.
واستدركت "يديعوت" بالقول، إن تقرير ستاين كان أكثر تفصيلا ويتضمن أيضا أسماء المشاركين من الطرف الأمريكي وفيه استعادة للقاءات التي أجريت في مقر الـ"سي آي إيه" برئاسة مدير وكالة الاستخبارات في حينه، الجنرال مايكل هايدن. وفي مقابلة مع "يديعوت أحرونوت" قال هايدن لكاتب هذه السطور، إن "مغنية كان رجلا كبيرا جدا. والمس به كان هاما جدا". ولكنه رفض التطرق بأي شكل لمسائل حول الحدث.
رواية "نيوزويك"
وبحسب رواية "نيوزويك"، فقد كان الأمريكيون هم الذين أنتجوا العبوة وأدخلوها إلى سوريا. وفي ليلة العملية كان في الساحة فريق مشترك من رجال الـ"سي آي إيه" والموساد. ولاحظ عنصر من الموساد أن الشخص هو بالفعل مغنية، وقام زميله من الـ"سي آي إيه" بتشغيل المادة المتفجرة.
وبحسب هذه الرواية، يدور الحديث عن سيارة أعدتها الـ"سي آي إيه" مسبقا، وأدخلت من الأردن إلى سوريا وأوقفت في المكان الذي يفترض بمغنية أن يمر منه. وراقب رجال الموساد والـ"سي آي إيه" السيارة 24 ساعة في اليوم انتظارا للفرصة العملياتية. "كانوا يعرفون أن بين الضغط والانفجار تمر ثانيتان. وبالإجمال كانت هناك ست ثوان من لحظة خروج مغنية من شقته إلى أن مر بجانب السيارة. ولهذا فقد كان عليهم أن يعملوا في غضون وقت قصير جدا".
موعد التنفيذ
وبحسب "يديعوت"، فقد حلت هذه اللحظة، أي موعد العملية، في 12 شباط/ فبراير 2008، "عميل الموساد تأكد من أن هذا هو الرجل. فعدوا: ألف، ألفان، بوم. ونزع الانفجار يدي السيد مغنية وساقيه ورأسه، عن باقي جسده الذي ألقي به إلى مسافة نحو 20 مترا. وقد نجح هذا بالضبط كما
خطط له".
وأشارت الصحيفة إلى أن القصة تجسد الفارق الذي رآه الأمريكيون بين التصفيات التي تنفذ بوساطة طائرات غير مأهولة في دول مثل أفغانستان واليمن، وبين العملية في دمشق.
وأشارت إلى ما كتبه غولدمن بأنه ليس الرئيس بوش وحده الذي كان ينبغي أن يقر العملية، بل وكل الجهات التنفيذية والقانونية ذات الصلة، بعد أن تأكد أن مغنية وقف أيضا خلف عمليات ضد القوات الأمريكية في العراق.
وقالت إن ستاين شدد على ترددات هايدن "الذي لم يرغب في أن يكون مشاركا في تصفية على طريقة دون كورليونا". وكان الرئيس بوش بالذات، المباشر والبسيط والفظ، بحسب وصف ستاين، هو الذي شجعه المرة تلو الأخرى، بل إنه الذي صرفه من أمامه حين جاء ليطلب الإذن النهائي للتنفيذ. وقال بوش: "لقد سبق أن أذنت بذلك"، ووبخ هايدن الذي لم يصفّ مغنية حتى ذلك الحين.
ونوهت الصحيفة إلى أنّه إذا كانت المنشورات صحيحة، فإنها تشكل مثالا آخر على التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في تلك الفترة. وكعمق القرب بين البيت الأبيض وديوان رئيس الوزراء، فإنها هكذا هي قوة الارتباط الاستخباري بين محافل الاستخبارات في الدولتين. فالعلاقات التي نسجها مئير دغان ورئيس شعبة الاستخبارات "أمان" في حينه عاموس يادلين، مع هايدن ومع زملائه كانت غير مسبوقة، ولكنها ما كانت لتبقى لولا القرب بين شارون وأولمرت وبين الرئيس بوش.
وعلقت "يديعوت" على ذلك بالقول، إنه "يمكن للمرء أن يشتاق فقط لتلك الأيام"، في إشارتها إلى اضطراب العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.