لم يكن
اغتيال عماد مغينة في عام 2008 حدثاً عادياً، بل حدثاً أوقع صدمةً كبيرة لدى العرب المؤيدين لخط الممانعة والمقاومة، وحتى شعوب الدول التي صُنفت أنظمتها بأنها "معتدلة" عبرت عن سخطها على الفعلة الإسرائيلية. فعماد
مغنية لم يطارد العرب السنة بل كان مطارداً من الصهاينة لأنه أمعن فيهم، فمنذ اليوم الذي تسلم فيه مسؤولياته العسكرية انصب جل تفكيره على مقاومة إسرائيل، غير أن الأمر لا ينطبق على ابنه جهاد مغنية الذي قتل يوم الأحد بغارة إسرائيلية من شأنها أن ترسم خطاً أحمر جديداً ستأخذه بالحسبان كل من طهران وحزب الله.
على العكس من حالة جهاد مغنية، مثلت فترة عماد مغنية وجهاً مختلفاً لحزب الله، ففي ذلك الوقت كان أمين عام
حزب الله حسن نصر الله أيقونة المقاومة، ورغم توظيفه لفكرة المقاومة لانتزاع تنازلات من خصومه السياسيين في لبنان، فقد كان يُنظر إليه في الإقليم بشكل عام بوصفه القائد الذي صمد أمام الهجمات الإسرائيلية المتكررة. والحق أن استطلاعات رأي نشرها مركز ابن خلدون في القاهرة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، كشفت بأن شعوب المنطقة (باستثناء لبنان لأن الشعب هناك دفع ومازال ثمناً باهظاً للمقاومة لذلك انقسم)، تضع حسن نصر الله في منزلة متقدمة قبل أن يخسرها بشكل كبير، بعدما كشف عن وجهه الطائفي باستهدافه للعرب السنة في سوريا، وبقبوله التحول إلى أداة ومخلب في السياسة الخارجية الإيرانية.
طبعاً لا يمكن النظر إلى الغارة الإسرائيلية وكأنها جاءت انتصاراً للثورة السورية أو انتصاراً لجبهة النصرة التي تحتفظ بوجود عسكري في القنيطرة السورية، فالاتجاه السائد في مؤسسات صنع القرار الأمنية في إسرائيل يرى بأن بقاء نظام الأسد ضعيفاً يصب في مصلحة إسرائيل. والأخيرة استهدفت حزب الله في سوريا في حالات محددة، تمثلت بمحاولات الحزب السابقة ومحاولات النظام السوري نقل أسلحة إلى لبنان توصف إسرائيلياً بأنها أسلحة كاسرة للتوازن. وفي أكثر من مناسبة قام سلاح الجو الإسرائيلي بضرب شاحنات كانت تنقل أسلحة إلى جنوب لبنان، وفي كل مرة احتفظت سوريا وحزب الله بحق الرد. واللافت أن إسرائيل غضت النظر عن التدخل العسكري لحزب الله في سوريا ما دام يستهدف الثوار ويبتعد عن الجولان، وكان هذا تعبيراً عن تفاهم إيراني إسرائيلي غير مكتوب.
وفي الوقت الذي بدأت فيه عناصر من حزب الله وإيران الاقتراب من القنيطرة والجولان، اعتبرت إسرائيل أن ذلك أمر لا يمكن التسامح معه. فإسرائيل لا ترى في وجود جبهة النصرة على الحدود خطراً يستوجب الرد، لكن دخول عناصر من حزب الله وإيران إلى القنيطرة يشكل تحولاً استراتيجياً يستوجب الرد العسكري الإسرائيلي وهنا تؤسس إسرائيل لخط أحمر جديد.
أمور كثيرة آخذة في التغير منذ اندلاع الثورة السورية، فحزب الله وإيران يفكران فقط في الحرب في سوريا، ولهذا السبب التكتيكي من المستبعد أن تولّد هذه الغارة الإسرائيلية أي ردود آنية، فإيران وحزب الله يفهمان جيداً أنهما لا يملكان ترف المواجهة مع إسرائيل، وبالتالي لن يجعلا من الغارة مسألة مركزية وسيركزان بدلاً من ذلك على الحرب في سوريا، طبعاً سيؤكد الحزب احتفاظه بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين!
بقي أن نشير إلى أن هناك بعداً آخر للغارة الإسرائيلية يتمثل في السياسة الداخلية الإسرائيلية، فرغم عدم تأكيد إسرائيل أو نفيها تورطها في اغتيال قادة إيرانيين وجهاد مغنية، إلا أن الصحافة الإسرائيلية تقدم تحليلات استناداً إلى فرضية أن نتنياهو كان يقف خلف قرار الغارة، ويربط خصوم نتنياهو الأمر بالانتخابات القادمة، وقد ألمح إلى ذلك يؤاف غلانت (أحد المرشحين للانتخابات وكان مرشحاً في السابق لتولي منصب رئيس هيئة الأركان) عندما قال: إن توقيت الغارة مرتبط بالانتخابات، ورغم صعوبة أن يقف خصوم نتنياهو ضد غارة استهدفت أعداء لإسرائيل، إلا أن هناك من يفرّق بين ضرورة تصفية أعداء إسرائيل والقيام بذلك فقط من أجل الانتخابات، وربما لا يروق للكثيرين في إسرائيل توريط بلادهم في مغامرة عسكرية فقط من أجل رفع حظوظ نتنياهو في الفوز في الانتخابات القادمة. ولم يعد سراً في إسرائيل أن نتنياهو لا هم له هذه الأيام سوى تقويض فرص منافسيه في الانتخابات، وبخاصة تسيبي ليفني وهرتزوغ اللذان انضما إلى قائمة واحدة تهدف إلى إسقاط نتنياهو من سدة الحكم.
وحكاية اغتيالين تكشف عن التغيرات الكبيرة التي ضربت الإقليم، فاغتيال عماد مغنية في عام 2008 وحّد العرب ضد إسرائيل التي بدورها اعتبرت مغنية هدفاً "مشروعاً" أقلق إسرائيل في مضاجعها، أما اغتيال ابنة جهاد مغنية مع ستة من الجنود الإيرانيين في سوريا، فقد ذكّر العرب بأن حزب الله وإيران في خندق ضد العرب السنة في سوريا وأن الحرب لها وجه طائفي قبيح، كما أنه قرع جرس الإنذار في إسرائيل عن كيف يمكن لمرشح انتخابات أن يقوم بمغامرة عسكرية بهدف تحسين فرصه في الانتخابات القادمة.
(نقلاً عن صحيفة بوابة الشرق)