مع هبوب غبار المعارك على محيط القصر الرئاسي بصنعاء، يبدو أن الموقف بات ينذر بأنها "الأيام الأخيرة" للرئيس
اليمني عبد ربه منصور هادي، في الحكم، وأنه أصبح "فاقدا للسيطرة على السلطة لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، منذ أشهر "، بحسب محللين.
فالاشتباكات التي وقعت صباح اليوم الاثنين، بين قوات تابعة له، وأخرى تابعة لجماعة "أنصار الله" المعروفة بـ"الحوثي"، في عدة شوارع متفرقة بمنطقة السبعين، بصنعاء، كانت على مرمى حجر من دار
الرئاسة الكائنة في المنطقة نفسها.
هذه الاشتباكات التي يقول الحوثيون إنها اندلعت في أعقاب إطلاق قوات الحرس الرئاسي، النار على عناصر من اللجان الشعبية (تابعة للجماعة) في جولة (دوار) المصباحي، بالمنطقة، والتي أسفرت عن سقوط قتيل وتسعة جرحى (لم تحدد هويتهم)، بحسب مصدر مسؤول في وزارة الصحة، جاءت بينما كان الرئيس هادي في منزله الكائن في شارع الستين القريب من المنطقة.
ويرى مراقبون أن هادي الذي أتى إلى الحكم في شباط/ فبراير 2012 بموجب المبادرة الخليجية لتسوية ثورة العام 2011، كمرشح وحيد لطرفي الأزمة، نظام الرئيس السابق (علي صالح) حيث كان يشغل فيه منصب الرجل الثاني كنائب لرئيس الجمهورية ونائب لرئيس حزب المؤتمر الحاكم، ولطرف الثورة ممثلاً في تحالف اللقاء المشترك المعارض.. هو اليوم فاقد للسيطرة على السلطة، لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.
وجراء ذلك، يواجه هادي الذي كان يحظى بتأييد جماهيري واسع في بدايات حكمه وانعكس في الملايين الستة الذين انتخبوه (من إجمالي عدد السكان 25 مليون نسمة) على أمل التغيير والاستقرار، أسوأ تأييد شعبي لرئيس يمني على الإطلاق، ويكاد يكون منعدما، حيث إن الجميع يحملونه المسؤولية عن وقوع البلاد تحت سيطرة الحوثي، بل إن بعضهم يذهب إلى اتهامه بالتآمر معها في ذلك، وفقا لمراقبين.
ولا يقتصر السخط على هادي على الطرفين السياسيين اللذين أتيا به إلى الحكم (النظام السابق الذي كان الرجل الثاني فيه، وطرف الثورة الذي هو من أتى به فعليا إلى الرئاسة)، بل تجاوزهما إلى المواطن العادي الذي يجد أن الدولة بقيادة الأول "خذلت الناس وسلمتهم للميليشيات، والتفجيرات الإرهابية التي أصبحت أكثر عنفا وتصاعدا مع غياب الدولة، والسيطرة الحوثية على البلاد".
وكان حزب المؤتمر، وهو حزب صالح، قد أقصى هادي من منصبي نائب رئيس الحزب والأمين العام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كما أن قوى الثورة من عسكريين وسياسيين وشباب ترى أن هادي هو من تآمر عليها مع الحوثي لشن الحرب عليها وإقصائها وصولاً إلى السيطرة الحوثية على صنعاء.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي، رياض الأحمدي: "أصبح هادي فاقدا للغطاء السياسي داخليا، إلا من تأييد بعض الفصائل الجنوبية المحسوبة على محافظته (أبين- جنوبا) والممولة منه كلجان شعبية، إلا أنها تمثل نسبة قليلة في فسيفساء الحراك الجنوبي المتعدد الزعامات والولاءات، حتى إن فروع حزب المؤتمر في الجنوب انحازت إلى صالح ضده، حيث إنه جاء بجنوبيين آخرين إلى منصبي نائب رئيس الحزب والأمين العام اللذين كان يشغلهما".
الدعم والتأييد الإقليمي لهادي، وعدم قدرة جماعة الحوثي على أن تكون البديل المقبول به محليا وإقليميا ودوليا، ذلك هو فقط -بحسب الأحمدي- ما يبقيه رئيسا في دار الرئاسة مع سيطرة فعلية للجماعة التي يقول إنها تتشاطر تلك السيطرة مع الرئيس السابق علي صالح المتهم بالتآمر معها في إسقاط البلاد، ويواجه بسبب ذلك قرار إدانة مع قياديين حوثيين من مجلس الأمن الدولي.
ومن ملامح التعاون بين الحوثي وصالح، ما دفعه الأخير من رجاله القبليين، وضباط من قوات الحرس الجمهوري سابقا التي كان يقودها نجله (أحمد) للانخراط ضمن عناصر الحوثي الذين اقتحموا العاصمة، ويتشاركون الآن في السيطرة عليها وعلى مدن أخرى.
وبحسب الكاتب والناشط، حمزة المقالح، فإن "صالح يحتاج إلى التخلص من هادي، ليكون تحركه مع
الحوثيين لإسقاط البلاد مفيدا له ولعودته من خلال نجله (أحمد) أو بأي شكل آخر إلى السلطة، فيما يبدو أن بقاء هادي هو الخيار الأمثل للحوثيين للسيطرة على السلطة بالتدريج من خلال التعيينات التي يفرضونها عليه في أجهزة الدولة التنفيذية والعسكرية والأمنية التي تنقلهم من السيطرة من خلال المليشيا إلى السيطرة عبر الدولة".
من جانبها، تنفي وسائل إعلام المؤتمر، التحالف بين صالح والحوثي من جهة، وإثباته بين هادي والحوثي من جهة أخرى.
وبحسب قيادات في حزب المؤتمر، تحدثت مفضلة عدم الإفصاح عن هوياتها، فإن "صالح ونجله أحمد، لا يزالان يحظيان بالتأييد الكبير داخل وحدات الجيش المتبقية التي يحسب جميعها على الحرس، كما أن صالح لا يزال بالغ النفوذ في المحيط القبلي في الشمال، الذي يشكل منه الحوثي ميليشياته المقاتلة، كما أن الشبكة الواسعة لحزب المؤتمر في الشمال والجنوب يمكن لها أن توفر الغطاء الاجتماعي لأي تحرك من قبلهما للإطاحة بهادي والحوثي، ولا ينقص كل ذلك إلا الغطاء السياسي والمالي الذي يكفي لو توفر من قبل السعودية".
ووفقا لهذه القيادات، فإن ذلك "ليس بعيدا حين تفعل المملكة ذلك، والمهمة الآن هي إقناع المملكة بأن هادي أصبح كرتا محروقا وعديم الجدوى بالنسبة لها".
لكن، هل يحدث ذلك السيناريو من خلال تحرك سياسي على غرار المبادرة الخليجية التي كان للمملكة الدور الأبرز فيها والتي تم بموجبها إخراج صالح من الحكم وتنصيب هادي؟ أم أن ذلك سيحدث من خلال تحرك عسكري؟
سؤال أجاب عنه مقربون من صالح، أجابوا بأن "الخيارين مطروحان على الطاولة".
غير أن الكاتب المقالح يترك في هذا الصدد تساؤلات عدة بينها: "كيف سيحدث ذلك؟ وهل يتخلص صالح من الحوثي أيضاً؟ أم أن التخلص من هادي سيكون بالتنسيق بينهما، ومن ثم يتقاسمان السلطة؟ وهل التحالف بينهما مرحلي أم هو استراتيجي؟ وهل ينجح صالح في توفير الغطاء السياسي السعودي لذلك؟ أم إنه سيحدث بدون المملكة؟ وهل يكون التحرك للتخلص من هادي ناجحا وفي الحدود الآمنة، أم أنه سيؤدي إلى تداعي ما تبقى من مؤسسات الدولة، وبالتالي سيفتح الباب واسعا أمام الفوضى، والمزيد من الحروب الأهلية التي تعيش البلد بداياتها الآن؟".