بعد أربعة أيام من الشلل التام للنقل العمومي في العاصمة
تونس، قررت النقابات إثر اجتماع مطول الخميس "تعليق"
الإضراب، وخرج القيادي العمالي بوعلي المباركي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل ليلة الخميس في قناة خاصة، ليعتذر للمواطنين عن "الإضراب غير القانوني الذي لم نكن على علم به".
مراقبون للشأن السياسي في تونس يرون في الإضراب وإيقافه أولى الاختبارات "الاجتماعية" لنظام الحكم الجديد في تونس، الذي اختتمت به المرحلة الانتقالية، وفي مشهد الصدارة حزب "
نداء تونس"، بالرئيس الذي ينتمي للحزب، الباجي قايد
السبسي، أو بحكومة نداء تونس برئاسة الحبيب الصيد التي لم تبدأ مهامها بعد.
إضراب النقل الأخير الذي عاشته العاصمة التونسية، الذي يعدّ الأول من نوعه منذ تولي الباجي قايد السبسي الرئاسة في 22
كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كان مفاجئا، إذ انطلق دون سابق إنذار مساء الاثنين والموظفون يغادرون مقرات عملهم.
الإضراب شلّ حركة النقل تماما في العاصمة التونسية وضواحيها، حيث بقي عشرات الآلاف من العاملين ومستعملي النقل العام معلقين في شوارع العاصمة التونسية وضواحيها، غير قادرين على العودة إلى بيوتهم أو التوجه إلى أعمالهم طيلة أربعة أيام.
عكر إضراب النقل الذي امتد داخل البلاد في المحافظات الداخلية صفو الاحتفالات بالذكرى الرابعة للثورة، حيث تعوّد الآلاف التوجه على شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة لإحياء ذكرى المظاهرة الكبرى يوم الجمعة 14
كانون الثاني/ يناير 2011، وهو يوم مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن البلاد.
كما بدأ الإضراب مفاجئا، جاء إيقافه مفاجئا، وحمل تساؤلات حول أسباب التراجع عنه، رغم أن حكومة تسيير الأعمال لم تستجب لأي طلب من مطالب المضربين بل ذهبت إلى العكس من ذلك تماما.
وأعلنت حكومة مهدي جمعة في مواجهة الإضراب عددا من الإجراءات التصعيدية، أبرزها ما يسمى بالتسخير، وهو إجراء قانوني استثنائي يفرض العودة للعمل على عدد من الموظفين إثر طلب من الوزارة في حال عطل الإضراب أمورا حيوية في البلاد.
كما ذهب رئيس الحكومة إلى أبعد من ذلك، وقال إن أيام الإضراب لن تدفع للموظفين المضربين عن العمل، قائلا: "لا يمكن أن ندفع رواتب دون أن يكون هناك إنتاج"، مشيرا إلى أنه راجع المحكمة الإدارية في هذا الغرض، وقد أكدت الأخيرة قانونية هذا القرار.
وذهبت الحكومة في عدة إجراءات عملية من قبيل الطلب من الشركات الخاصة للنقل تكثيف خدماتها في المناطق المتضررة من الإضراب، وكذلك الحال بالنسبة لسائقي الأجرة والنقل الجماعي الخاص بشكل مؤقت، غير مقيدين بمنطقة جغرافية محدودة كما هي العادة.
نور الدين الطبوبي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، قال للأناضول "إن أسباب الإضراب هي تراجع الحكومة عن دفع مستحقات لأعوان النقل كانت قد تعهدت بها في شهر ديسمبر".
بينما يرى المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، أن "تصعيد الحكومة تزامن مع تصعيد إعلامي ضد الإضرابن خاصة من التلفزة الوطنية وعدد من القنوات الخاصة المعروفة، يقربها من دوائر القرار في نداء تونس".
ويضيف، أن "الأمر وصل في بعض القنوات إلى التحريض ضد الاتحاد العام التونسي للشغل وضد المضربين".
وحول مبررات إيقاف الإضراب رغم عدم الاستجابة لمطالبه قال الطبوبي "إن تعليق الإضراب جاء لمراعاة معاناة أبناء الشعب ومستعملي النقل العام، الذين هم الطبقة الكادحة في تونس، والأكثر تضررا من هذا الإضراب".
ورفض الطبوبي القول بوجود علاقة للضغوطات التي مورست بقرار الاتحاد بوقف الإضراب، مؤكدا بالقول: "قراراتنا تؤخذ في مؤسساتنا، ونراعي فيها مطالب أبناء الاتحاد والمصلحة العامة، دون الاهتمام بمن في الحكم أو من في المعارضة".
أما عن التهديدات بالتبعات القانونية، التي قد تصل للسجن، قال الطبوبي: "تصريحات مهدي جمعة هي زوبعة في فنجان لا أكثر".
من جهته يرى الإعلامي نصر الدين بن حديد أن الإضراب الأخير لا يمكن عزله عن المرحلة السياسية الجديدة التي نعيشها، وأن هذا الإضراب يأتي في إطار التموقعات الجديدة لكل طرف.
واتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي الحناشي، معتبرا أن الإضراب ذو طابع سياسي واضح، وتراجع الاتحاد عن الإضراب الذي وصل إلى حد الاعتذار من أحد قيادات، ثم سكوته على الهجوم الإعلامي الذي يتعرض له، أمر جديد لم نعهده في السنوات الأربع بعد الثورة.
واعتبر الحناشي أن هذه الموقف إن دل عن شيء فهو يدل على أن هناك تغيرا في موازين القوىن إذ لم يعد الاتحاد العام التونسي للشغل الرقم الأول كما كان طيلة إشرافه على الحوار الوطني التونسي.
لكن بن حدد يرى "أن الإقدام على الإضراب تم التراجع يبين الاختلاف الموجود داخل الاتحاد في التعامل مع المشهد السياسي الجديد".
وأوضح أن "هناك من جهة الأطراف المحسوبة على اليسار التي تريد أن تبيّن أن التقارب الحكومي المفترض بين النداء والنهضة يمكن أن يهز بالشارع، وهناك أطراف يسارية من داخل نداء تونس ستستعمل هذا الورقة للابتزاز والضغط من أجل فرض توجهات معينة على النداء".