نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب تيم لوت، يعلق فيه على أحداث باريس، ويقول فيه إن الجميع يحمل عقيدة ما، ويدافع عنها بشراسة إذا ما هوجمت، وسبب ذلك، وهو الأمر الذي يصعب علينا أن نعترف به، هو الخوف النابع من داخلنا.
يبدأ الكاتب مقاله بالسؤال: ما هو الرابط بين الملياردير والإرهابي الإسلامي؟
الجواب على هذا السؤال استنتجه لوت بعد أن شاهد فيلما وثائقيا عن الأثرياء الكبار في أمريكا. وعرض الوثائقي كيف يعيش هؤلاء الأثرياء في عالم من الخيال، يجمعون الأموال دون هدف، وأكثر مما يستطيعون إنفاقه بكثير، ويدخرون هذه الأموال على شكل بيوت فارهة في لندن وذهب ومجوهرات. فما الهدف من تلك الأموال كلها؟ وكم وجبة باهظة الثمن يستطيعون أكلها؟ وكم سيارة فارهة يستطيعون قيادتها؟ وكم بيتا يستطيعون العيش فيه؟
ويقول الكاتب "كما هي بالنسبة (للنصوص المقدسة)، فإن اليخوت والجزر الخاصة هي عبادة وتمثل نظام
معتقدات وهوية. هذه الهوية تؤكد لهؤلاء الأثرياء أنهم أناس أفاضل، ولولا ذلك لما كانوا ناجحين، وهذه المعتقدات هي ما يحثهم على القيام في اليوم التالي لتحصيل المزيد من المال".
ويضيف لوت: "أنا وأنت لا نختلف كثيرا، فنحن أيضا عندنا معتقدات ونظم قيم، ولا نستطيع الدفاع عنها كلها بشكل منطقي، وعندما تهدد هذه المعتقدات نصبح عدوانيين، وكلما كان الانتقاد لنظرتنا أكثر عمقا زدنا غضبا".
ويوضح الكاتب أنه "يمكن أن نجد دليلا على ما أقول في النبرة الغاضبة للجدل الذي ولده الهجوم على (
شارلي إيبدو)، ولا أتحدث هنا عن غضبنا نحو القتلة، بل عن غضب الناس الذين هم في الجانب ذاته ورؤيتهم المختلفة لما حصل".
ويشير لوت إلى أن "أولئك الذين يقولون إن الرسوم كانت مثيرة أكثر من اللازم يتهمون بالاسترضاء، وأولئك الذين طالبوا بإعادة نشر الرسوم يتهمون بأنهم يريدون إثارة
الإسلاموفوبيا، وأولئك الذين يرفضون تبني الفكرة المطمئنة بأن الإرهابيين (ليست لهم علاقة بالإسلام)، تلقوا الرد الأشد غضبا. وأولئك الذين يطالبون بالتشديد الأمني يعارضهم من يعدّون الحرية المدنية أولوية بشدة كبيرة".
ويجد الكاتب أن "قعقعة وصليل الحوارات يتعاليان، ونلمس الغضب في عواصف التويتر، وعلى الصفحات المتخصصة بالفتن، وفي المدونات وصفحات الرأي. ويبدو أن الخطاب الغاضب أصبح اللغة السائدة؛ لأننا خائفون، ونخشى أن نخاف أكثر، ولا نريد أن نعترف أننا خائفون؛ لأننا إذا اعترفنا بالخوف فإن ذلك يعني أن معتقداتنا ليست بالقوة التي نتمنى أن تكون".
ويبين لوت أنه "من هذا المنظور نحن في القارب ذاته مع الجهاديين، الذين يرفعون ويجسدون معتقداتهم في أيديولوجية غير مرنة، والأيديولوجية التي ترفض التطويع أمام الحقائق هي أساس الشر، وكلنا إلى درجة ما أيديولوجيون".
ويرى الكاتب أننا "نعيش اليوم في عالم لم يسبق له مثيل من التعقيد، وهذا يجعلنا أكثر اضطرارا من أي وقت مضى لأن نتشبث فيما نظن أننا نعرفه. ونحتاج أن نطمئن أن أهدافنا صحيحة. وبهذا المعنى فإن التجارة دين والوظيفة دين والعائلة دين والشعب دين والعلمانية دين والدين دين. وهذا يعني أنه لا مهرب من الدين، ولكن المشكلة أن قيمنا لا يمكن التأكد من صحتها بشكل مستقل، عدا عن الطمأنينة التي يمنحها المؤيدون المنتمون للفكرة ذاتها".
ويتساءل لوت: "هل هناك شيء يمكننا أن نستبدله بنظمنا الاعتقادية التي يتسبب الاعتداء عليها بردود فعل خطيرة؟، لا يوجد شيء أبدا؛ لأن نظمنا الاعتقادية كلها هي ببساطة بناء، والدنيا هي الدنيا، ونحن من نعكس قيمنا عليها، سواء كانت القيم علمانية أو دينية، ولكن في الواقع كل شيء مشكوك فيه، وهذا ما لا نستطيع
التعايش معه".
ويؤكد لوت أن "هذا هو تحدي النسبوية وتحدي الحداثة والمأزق الوجودي للعالم. إن كانت القيم والمعتقدات كلها هي نتاج العقل، وليست حقائق أكيدة بالكيفية ذاتها للبلوتوقراطي والإسلامي، المنادي بحرية المرأة والمنادي بسيادة الرجل، الشيوعي والمحافظ، إذن علينا أن نتعايش مع هذه الحقيقة دون أن نجهد أرواحنا بالغضب بهدف حماية الذات".
ويعتقد الكاتب أن "البديل عن الاعتقاد هو الإيمان، وليس الإيمان الديني، ولكن الإيمان الذي لا يتصلب بإسقاطات الكراهية ضد (الآخر) بمن في ذلك المرتدون بيننا، والذين لا يشاركوننا الرأي. الإيمان بأننا كلنا بشر نحاول أن نعوم في فيضانات الفوضى العارمة. الإيمان بالمنطق، الإيمان بفكرة الحقيقة مهما كان التوصل إليها صعبا. والإيمان محاط بالشكوك، كما يتضح من قراءة الإنجيل".
ويذكر لوت أنه "يجب عدم الخوف من الشك، فهناك حقائق الحب والضمير واليوم واللحظة والروابط الإنسانية. ومشاعر الخوف والغضب تبدو حقيقية أيضا، ولكنها تأتي غالبا بسبب ما نعتقده، وليس بسبب تجربة مباشرة لنا".
ويجد الكاتب أن "التعامل مع الأفكار التي تعارض أفكارنا عن طريق السباب والشتائم هو دليل خوف لا منطقي، الخوف من أن يجد الإنسان نفسه محتارا. ولذلك يسمى الإرهابيون إرهابيين؛ لأنهم يولّدون الرعب بإرادتهم، ويقسمون الناس الذين يقفون ضدهم".
ويذهب لوت إلى أننا "أصبحنا بمستوى من الهشاشة والعناد، بالرغم من مظاهر الوحدة التي ولّدها الهجوم على الصحيفة، إلا أننا بدأنا بانتقاد بعضنا البعض، وهذا ما أراده القتلة. فكلما أغلقنا آذاننا عن الآراء التي لا تعجبنا نقترب أكثر من عقلية الجهاديين".
ويخلص الكاتب البريطاني إلى أنه "كي نعيش علينا أن نكون من الشجاعة بحيث لا نقبض على معتقداتنا كبطانيات تمنحنا الراحة، ولكن بأن نتفحص تلك المعتقدات لنرى عيوبها، وهذا يتطلب أن نسمع الآخرين، مهما كنا لا نرغب في سماع ما يقولون. وهذا ما أنا متأكد منه تماما.. أو إلى حد كبير".