دعا رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيليبان إلى اللجوء للحكمة في التعامل مع ما شهدته بلاده من هجوم على
شارلي إيبدو؛ بالرغم من أن المشاعر متقدة للجوء للصيغ العسكرية.
وقال في مقالة له نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية، الثلاثاء، إن
فرنسا تقف اليوم موحدة في مواجهة آثار هجوم إرهابي مجرم لم يسبق له مثيل خلال ما يقرب من قرنين.
وأشار إلى أن "فرنسا تنزلق بالتدريج نحو مناخ من الحرب، وهي حرب غريبة لا تجرؤ على البوح باسمها، حرب تزيل الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج".
وحذر من أن المناخ في الداخل الفرنسي مهيأ لحرب أهلية ناشئة؛ فقد تغير وجه
الإرهاب. ويبدو أن شبكات المفجرين قد أخلت الميدان لأشخاص يعملون بشكل منفرد، يقومون بأنفسهم بتهيئة المسرح لمزيد من الإرهاب الذي سينفذه مغاوير يستخدمون أساليب المافيا والمعدات العسكرية بغرض تصفية أهداف رمزية تمثل الديمقراطية والحرية. ما نحن بصدده لم يعد إرهابا فوضويا، بل هو الرعب المنظم جرى إنشاؤه حجرا بحجر ليحيط بنا ويحاصرنا جميعا، على حد وصفه.
وأضاف: "أما في الخارج، فنحن نرى شهرا بعد آخر تبلور جبهة كابوسية من حرب الحضارات بين الغرب والإسلام، ومن الحرب مع معالم الإسلاموية المشوهة والبشعة. تأخذ التدخلات الغربية أنماطا نظامية: إذ تبدو في ظاهرها كما لو أنها كانت عمليات مستقلة تحفزها طموحات متنوعة، إلا أنها نجحت في إنجاز أمر واحد، ألا وهو التسبب في نشأة عدو جهادي مراوغ، وفي انهيار الدول والمجتمعات المدنية في المنطقة".
وشرح كيف أن التدخل الفرنسي بليبيا أسهم في مآلات الأمور في فرنسا اليوم، بالقول: "الآن فقط علمنا كيف أن بعض العمليات هي التي بشرت بكل ذلك. هناك العملية التي نفذت في ليبيا عام 2011، والتي نجم عنها منذ ذلك التاريخ تحويل البلد إلى معلم إرهابي في الصحارى، وهناك العملية التي نفذت في منطقة الساحل، وبشكل خاص في نيجيريا على الحدود مع الكاميرون وتشاد حيث تتمدد حركة بوكو حرام وتبسط نفوذها وتحكم قبضتها المتوحشة. إلا أن هذه الحروب في العادة تغذي حروبا أخرى، تكون في كل مرة أكبر من سابقتها، وتكون في كل مرة أكثر استحالة على الاحتواء من ذي قبل. كما أنها تغذي الإرهاب فيما بيننا عبر وعود باجتثاثه من الجذور. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أننا لن نتمكن من التغلب على الحركات الجهادية هناك وعلى الإرهاب هنا، إلا إذا أتينا بحلول حقيقية للأزمات التي تعصف بالعالم الإسلامي، والتي هي في الوقت نفسه حدودية، اجتماعية، سياسية واقتصادية. إنها صراعات ننزع نحو تبسيطها حين لا نرى منها سوى العرض الإسلامي للداء".
وأبدى دو فيليبان تخوفه من أن شبح الحرب مصيدة، واصفا إياها بالدائرة "التي تدفع بنا كل يوم تجاه حرب خرجت عن السيطرة. إن من واجبنا باسم قيمنا الديمقراطية أن نقاوم شبح الحرب. النصر الوحيد الذي يمكن أن يعلق المتطرفون عليه الآمال هو إقناعنا بأننا نخوض حربا شاملة، أن يجرونا إلى التورط في اللجوء إلى قوة نعتقد أنها ستختصر علينا الطريق".
ونوه إلى أن أمام فرنسا ثلاثة أعداء جسام لا مفر من مواجهتهم جميعا، على حد وصفه.
وفصّل ذلك بالقول: "هناك بادئ ذي بدء الإرهابيون، وهم العدو الأوضح. ليس بإمكاننا التساهل مع حقيقة أن القتلة يجولون، يسرحون ويمرحون، في البلاد طولاً وعرضا وأن رسل الكراهية يبثون كلامهم في مأمن من المساءلة والعقاب. ينبغي أن تكرس جميع الوسائل والأدوات القانونية في الدولة لإيقافهم وتقديمهم للعدالة. علينا أن نحسن من أنظمة الردع والرقابة وحماية المواقع الحساسة، وأن نقطع الطريق على نشر التطرف وخاصة داخل السجون. في مواجهتنا لعدو لا تقيده الحدود لن يتسنى لنا محاربته بفاعلية إلا من خلال التعاون المستمر والمسنود بين الشرطة والقضاء على مستوى أوروبا بأسرها، وكذلك من خلال التعاون مع الدول الأخرى المعنية. قبل عشرين عاما، لم يكن هناك سوى بضعة بؤر إرهابية، أما اليوم فقد بات العالم بأسره معنيا".
وأشار إلى أنّه "من الملح أن نسارع إلى تجفيف الموارد المالية للتطرف الإسلامي في فرنسا، وبشكل خاص في ما يتعلق بتلك الأموال التي تأتي من بلدان الشرق الأوسط، وكان ذلك هو الهدف الذي وضعته نصب عيني حينما كنت وزيرا للداخلية واقترحت في حينها إصلاح نظام تمويل بناء أماكن العبادة للمسلمين من خلال فيدرالية للأشغال الإسلامية، وذلك حتى نقلص من الحاجة إلى التمويل الأجنبي، ونسمح بذلك بازدهار إسلام خاص بفرنسا".
وتابع دو فيليبان: "هناك عدو ثان، ألا وهو الخوف. وذلك أن الإحساس بعنف مفاجئ قد يأتي من حيث لا نحتسب يثير فينا الرغبة في أمن لا قبل لنا بتوفيره. ولقد علمتنا التجربة أن الهجمات الإرهابية تشجع على التخلي عن القيم الديمقراطية، وفي أوج القلق على أمننا فإننا نضحي بحريات الآخرين في الداخل وفي الخارج.
وأشار إلى العدو الثالث وهو يتمثل في أسماه دو فيليبان بـ"الرفض". وقال: "بلدنا يزداد توترا يوما بعد يوم، وتتجه نخبه كل يوم نحو المزيد من خطاب الانقسام والإقصاء".
وشدد على أنّ "التاريخ يعلمنا أنه حينما تتصدع السدود فإن البلد يصبح مهددا بالانهيار. إذا ما جذبنا العنف تجاهنا، فما ذلك إلا لأننا منقسمون وضعفاء ومنطوون على ذواتنا، لأننا بلد جريح ينزف ويفقد المزيد من الدم".
وأضاف دوفيليبان: "لقد أثبتت النزاعات الأدبية والديماغوجية الحزبية أن الأمر لا يتعلق بإنقاذ أنفسنا من الآخر، من الغزو الخارجي أو من الإحلال المفترض، وإنما يتعلق بإنقاذ أنفسنا من أنفسنا، من النكران الذي نمارسه، من نرجسية الانحطاط التي نغرق فيها، من إغراءات الغرب والانتحار".
وختم حديثه بدعوة الفرنسيين للتصرف "بمسؤولية ورزانة واتحاد. فلننتقم من خلال تقديم نموذج من الديمقراطية يحتذى، بأن نسمو تارة أخرى إلى ما كنا عليه: جمهوريين يؤمنون بالحوار وبقوة الثقافة والتعليم والسلام".
لمطالعة المقال كاملا:
هنا